كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

[(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَلَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ* قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ)].
الجملة الشرطية والمعطوفة عليها أعني قوله: (إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَلَكُمْ) صفة لـ (لأشياء). والمعنى: لا تكثروا مسألة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى تسألوه عن تكاليف شاقة عليكم، إن أفتاكم بها وكلفكم إياها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من نفوسكم لعلكم تفوزون بالهدى عاجلاً وبالفلاح آجلاً، فعلى هذا: الكلام في الدعوة إلى مُتابعة الحق وطاعة الله ورسوله، وقوله: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} كالتتميم لعدم الاستواء، وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} من باب إرخاء العنان والبعث على التفكير والحث على التدبر. ونحن نقول أيضاً: يا أمة محمد، هلموا إلى النظر والتفكر فيمن يتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منا ومنكم، ومن ينكص على عقبيه ويتبع هواه الذي يُضله ولا يعمل بالأحاديث الصحيحة المروية عنه حتى يتبين الخبيث منا والطيب! .
وأما تقرير الكلام على الثاني، وهو أن الآية نازلة في حجاج اليمامة كما قال: "وقيل: نزلت في حجاج اليمامة حين أراد المسلمون أن يوقعوا بهم فنهوا"، وقال محي السنة: نزلت في شريح بن ضبيعة البكري وحجاج بكر بن وائل، وقد مضت القصة في أول السورة، وفيها: فلما كان العام القابل خرج، يعني شريحاً، في حجاج بكر بن وائل ومعه تجارة عظيمة، فهموا بهم، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [المائدة: 2]، ففيه: النهي عن التعرض للمشركين القاصدين لزيارة حرم الله لغرض الدنيا، فسماه خبيثاً، وإذا كان التعرض لهم غير جائز في مثل ذلك المقام كيف جاز التعرض لأعراض المسلمين في تفسير كلام الله المجيد؟ تاب الله علينا وعليه.

الصفحة 502