كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

ولم يقل: قد سأل عنها؟ قلت: الضمير في: (سَأَلَها) ليس براجع إلى (أشياء) حتى تجب تعديته بـ"عن"، وإنما هو راجع إلى المسألة التي دل عليها (لا تَسْئَلُوا) يعني: قد سأل قوم هذه المسألة من الأولين، (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها) أي: بمرجوعها أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (راجع إلى المسألة) أي: إلى المصدر لا إلى المفعول ليُحتاج إلى تعديته بـ "عَنْ". الراغب: {قَدْ سَأَلَهَا} يحتمل وجهين، أحدهما: أنه استخبار إشارة إلى نحو قول أصحاب البقرة حيث سألوا عن أوصافها، فعلى هذا لا فرق بين قوله: "قد سألها" وبين قوله: "قد سأل عنها"، والثاني: أنه استعطاء، إشارة إلى نحو المستنزلين للمائدة من عيسى والسائلين من صالح الناقة؛ فعلى هذا لا يصح أن يقال سأل عنها، وقوله: {ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} أي: كفروا ولم يعترفوا.
واعلم أن الطلب والسؤال والاستخبار والاستفهام والاستعلام ألفاظ متقاربة، ومرتب بعضها على بعض، فالطلب أعمها؛ لأنه قد يقال فيما تسأله من غيرك، وفيما تطلبه من نفسك، والسؤال لا يقال إلا فيما تطلبه من غيرك، فكل سؤال طلب، وليس كل طلب سؤالاً، والسؤال يقال في الاستعطاف، فيقال: سألته كذا، ويقال في الاستخبار فيقال: سألته عن كذا، وأما الاستخبار فاستدعاء الخبر، وذلك أخص من السؤال، فكل استخبار سؤال وليس كل سؤال استخباراً، والاستفهام: طلب الإفهام، وهو أخص من الاستخبار، فإن قول الله تعالى: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي} [المائدة: 116] استخبار وليس باستفهام، وكل استفهام استخبار وليس كل استخبار استفهاماً، والاستعلام: طلب العلم، فهو أخص من الاستفهام، إذ ليس كل ما يفهم يعلم، بل قد يظن ويخمن، وكل استعلام استفهام وليس كل استفهام استعلاماً.
قوله: (بمرجوعها) أي: بما تؤول المسألة به وترجع إليه عند تحقيقها.

الصفحة 507