كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

[(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)].
الواو في قوله: (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ) واو الحال قد دخلت عليها همزة الإنكار. وتقديره:
أحسبهم ذلك ولو كان (آباؤهم لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)؟ والمعنى: أنّ الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدى، وإنما يعرف اهتداؤه بالحجة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ({أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} واو الحال). قال أبو البقاء: وجواب "لو" محذوف، أي: أولو كانوا لا يعلمون يتبعونهم، وذهب الراغب إلى أن الواو للعطف والهمزة للتعجب من جهلهم، أي: أيكفيهم ذلك وإن كان آباؤهم لا يعلمون فيفعلون ما يقتضيه علمهم ولا يهتدون بمن له علم؟ وأشير بأنهم من جملة الفرقة الثالثة الذين وُصفوا فيما روي: الناس عالمٌ ومتعلم وحائر بائر لا يطيع مرشداً، وروي عن علي رضي الله عنه: الناس ثلاثة: عالم ربانين ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع وأتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، ولم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق فيمتنعوا.
وقوله: {لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} إشارة إلى أنهم هم الرعاع والأتباع.
قوله: (الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدي)، وفيه معنى قول الإمام والقاضي: التقليد المذموم هو أن المقلد لا يعرف بالدليل أن مقلده على الحق أو على الباطل، وأما من عرف اهتداء مقلده بالدليل فهو ليس بمقلد.

الصفحة 509