كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

[(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)].
كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتوّ والعناد من الكفرة، يتمنون دخولهم في الإسلام، فقيل لهم: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طرق الهدى. (لا يَضُرُّكُمْ) الضلال عن دينكم إذا كنتم مهتدين، كما قال عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر: 8]، وكذلك من يتأسف على ما فيه الفسقة من الفجور والمعاصي، ولا يزال يذكر معايبهم ومناكيرهم، فهو مخاطبٌ به، وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن من تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتد، وإنما هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم وبينه.
وعن ابن مسعودٍ: أنها قرئت عنده فقال: إن هذا ليس بزمانها إنها اليوم مقبولة. ولكن يوشك أن يأتي زمان تأمرون فلا يقبل منكم، فحينئذ عليكم أنفسكم. فهي على هذا تسليةٌ لمن يأمر وينهى فلا يقبل منه، وبسط لعذره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإنما هو بعض الضلال) أي: من تركهما مع القدرة فليس بمهتد. (بل هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم)، وذلك أن قيل في حق البعض: {مَنْ ضَلَّ}، وخوطب البعض بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، وأثبت لهم الاهتداء بقوله: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإنما يكونون مؤمنين مهتدين إذا قاموا بمواجبهما من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يقصروا فيهما، بل إنما يحسن هذا الخطاب إذا بذلوا جهدهم في ذلك وتحسروا على فوات الإنجاع في القوم، ولذلك استشهد بقوله: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]، فمن نظر إلى ظاهر الآية وأمسك عن الأمر بالمعروف ابتداء دخل في زمرة من قيل في حقه: {مَنْ ضَلَّ}.
قوله: (إن هذا ليس بزمانها) أي: هذا الزمان ليس بزمان العمل بمقتضى ظاهر الآية، وهو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الإمرة والحسبة اليوم مقبولة.

الصفحة 510