كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

(عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) عليكم: من أسماء الفعل، بمعنى: الزموا إصلاح أنفسكم، ولذلك جزم جوابه. وعن نافع: عليكم أنفسكم، بالرفع. وقرئ (لا يَضُرُّكُمْ) وفيه وجهان أن يكون خبراً مرفوعاً وتنصره قراءة أبي حيوة، لا (يضيركم) وأن يكون جواباً للأمر مجزوماً، وإنما ضمت الراء اتباعاً لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة. والأصل: لا يضروكم. ويجوز أن يكون نهيا، ولا يضركم، بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والنهي عن المنكر عمهم الله بعقابه، وما بينكم وبين أن يعمكم الله بعقابه إلا أن تتأولوا هذه الآية على غير تأويلها"، وإنما المعنى: لاتقتدوا بآبائكم، واحفظوا أنفسكم، وإذا اهتديتم فليس عليكم من ضلال من خالفكم شيء، كقوله: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272]، وقوله: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119]. وقلت: حديث أبي بكر أخرجه الترمذي وأبوداود، عن قيس بن أبي حازم، ويعضده النظم، فإن قوله: {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} يرمي إلى ذلك.
قوله: (وعن نافع: "عليكم أنفسكم"، بالرفع) هي من طريق شاذة.
قوله: (أن يكون خبراً مرفوعاً)، قال الزجاج: إعراب {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} الأجود أن يكون رفعاً على جهة الخبر، أي ليس يضركم من ضل، ويجوز أن يكون جزماً، أي: لا يضرركم، إلا أن الراء الأولى أدغمت في الثانية فضمت الثانية لالتقاء الساكنين، ويجوز على جهة النهي: "لا يضركم"، بفتح الراء وكسرها، وهذا نهي للغائب ويراد به المخاطبون، فإذا قلت: لا يضرركم كفر الكافر، معناه: لا تعدن أنت كفره ضرراً عليك.

الصفحة 512