كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

[(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ* فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ* ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَاتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)].
ارتفع (اثنان) على أنه خبر للمبتدأ الذي هو (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) على تقدير:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: وأما زيادة التقرير فهو أن يقال: إن قوله تعالى: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} لا يخلو من أن يكون مجزوماً على جواب الأمر، فالمعنى: احفظوا أنفسكم والزموا صلاحها لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، أي: إذا حفظتموها لا يضركم من ضل، فإن لم تحفظوها بأن تصروا على ذكر مثالبهم يكن سبباً لأن تتضرروا بالملازمة عليها، أو أن يكون نهياً للضلال عن إيصال الضرر إلى المؤمنين على منوال قولهم: لا أرينك هاهنا، أو أن يكون خبراً مرفوعاً على تقدر سؤال، كأنه لما قيل لهم: الزموا أنفسكم واحفظوها عن أن تشتغلوا بمساوئهم قالوا: لِمَذا؟ فأجيبوا: لئلا يضركم ضلال من ضل، هذا وإن الظاهر: الزموا أنفسكم ولا تهتموا بشأنهم ولا تتأسفوا على ما فيه الفسقة من الفجور، فإنا لا نؤاخذكم بفعلهم كأنهم من فرط حرصهم وتهالكهم على صلاحهم حسبوا أنهم يتضررون بفسقهم، فرد عليهم، ولهذا ابتدأ بقوله: "كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتو"، وعليه قوله تعالى: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8].
قوله: (الذي هو {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}) اتسع في "بين" وأضيف إليه المصدر، كقوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] بالرفع.

الصفحة 513