كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

شهادة بينكم شهادة اثنين. أو على أنه فاعل (شهادة بينكم) على معنى: فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان.
وقرأ الشعبي: (شهادة بينكم) بالتنوين. وقرأ الحسن: (شهادة) بالنصب والتنوين، على: ليقم شهادة اثنان، (وإِذا حَضَرَ) ظرفٌ للشهادة، و (حِينَ الْوَصِيَّةِ) بدل منه، إبداله منه دليل على وجوب الوصية، وأنها من الأمور اللازمة التي ما ينبغي أن يتهاون بها مسلمٌ ويذهل عنها. وحضور الموت: مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل (مِنْكُمْ): من أقاربكم. و (مِنْ غَيْرِكُمْ): من الأجانب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفي إبداله منه دليل على وجوب الوصية)، قال الإمام: قالوا: قوله تعالى: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} دليل على وجوب الوصية؛ لأنه تعالى جعل زمان حضور الموت حين زمان الوصية، وهذا إنما يكون إذا كانا متلازمين، وإنما تحصل هذه الملازمة حين وجوب الوصية.
وقلت: والأظهر أن قول المؤلف: "وأنها من الأمور اللازمة التي لا ينبغي أن يتهاون بها" عطف تفسيري على قوله: "وجوب الوصية"، ودلالة على أن الإبدال فيه للتأكيد والتقرير والثبوت دون الوجوب المتعارف، ولهذا اقتصر القاضي وصاحب "التقريب" على التفسير دون المفسر، حيث قالا: وفي إبداله منه تنبيه على أن الوصية مما ينبغي ألا يتهاون فيها، ولم يذكر لفظ الوجوب، ومثله في دلالة الإخباري المنظور فيه المبالغة على الوجوب قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3]، قال: فيه معنى النهي، ولكن أبلغ وآكد من "لا ينكح".

الصفحة 514