كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

وقيل: إن أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين، وإن أريد الوصيان فليس بمنسوخ تحليفهما.
وعن علي رضي اللَّه عنه: أنه كان يحلف الشاهد والراوي إذا اتهمهما.
والضمير في (به) للقسم، وفي (كانَ) للمقسم له يعني: لا نستبدل بصحة القسم باللَّه عرضاً من الدنيا؛ أي: لا نحلف كاذبين لأجل المال، ولو كان من نقسم له قريباً لنا. على معنى: أن هذه عادتهم في صدقهم وأمانتهم أبداً، وأنهم داخلون تحت قوله تعالى: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء: 135].
(شَهادَةَ اللَّهِ) أي: الشهادة التي أمر اللَّه بحفظها وتعظيمها. وعن الشعبي أنه وقف على "شهادة" ثم ابتدأ "اللَّه" بالمدّ على طرح حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه. وروي عنه بغير مدّ على ما ذكر سيبويه أن منهم من يحذف حرف القسم ولا يعوض منه همزةً الاستفهام، فيقول: اللَّه لقد كان كذا. وقرئ: (لملاثمين) بحذف الهمزة وطرح حركتها على اللام وإدغام نون "من" فيها، كقوله: (عاد لولى).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فقد نُسخ تحليف الشاهدين)، قيل: الناسخ قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر"، والله أعلم. وقيل: أول من قاله قس بن ساعدة الإيادي.
قوله: (أن هذه عادتهم في صدقهم)، والدلالة على العادة والتوكيد بقوله: "أبداً"، انضمام {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [المائدة: 106] مع قوله: {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً} تتميماً ومبالغة، يعني: إذا لم يحلف لذي القربى فبالطريق الأولى ألا يحلف للغير أبداً، وهذا إنما يستقيم إذا أريد تحليف الشاهدين دون الوصيين، وذلك أن الشرطية، وهي قوله: {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} جيء بها لتأكيد المقسم به، أي: لم يكن من عادتنا أن نشتري به ثمناً ولو وُجد ذو قربى.

الصفحة 517