كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال صاحب "الكشف": أما ما يُسند إليه استحق فلا يخلو من أن يكون الإيصاء أو الوصية أو الإثم أو الجار والمجرور، وإنما جاز استحق الإثم لأن أخذه ثم فسُمي إثماً كما يسمى ما يؤخذ منك بغير حق مظلمة، قال سيبويه: الملمة: اسم ما أخذ منك، وكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر، وأما معنى {عَلَيْهِمْ} فيحتمل أن يكون بمنزلة على في قولك: استحق على زيد مال بالشهادة، أي: لزمه ووجب عليه الخروج منه؛ لأن الشاهدين لما عُثر على خيانتهما استحق عليهما ما ولياه من أمر الشهادة والقيام بها ووجب عليهما الخروج منها وترك الولاية لها، فصار إخراجهما منها مستحقاً عليهما كما يستحق على المحكوم عليه الخروج مما وجب عليه، وأن يكون بمنزلة في، أي: استحق فيهم، وأن يكون بمنزلة من، أي: استحق منهم الإثم.
وقلت: الحق أن يكون استحق مسنداً إلى الإثم، وأن يكون من باب المشاكلة والتضمين لقوله: "ومعناه: من الذين جُني عليهم"، والذي دعاه إلى هذا دعاه إلى هذا التأويل ابتناء قوله: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} على قوله: {إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ}؛ لأن المعنى: إن كتمنا الحق كنا من الخائنين، ثم إن اطلع على أنهما قد خانا وجنيا على المشهود عليه واستحقا إثماً بذلك فآخران يقومان مقامهما بالشهادة، فكني عن قوله: "قد خانا وجنيا" بقوله: {اسْتَحَقَّا إِثْماً} ليُشاكل الكلام السابق وهو: {إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ}، يدل عليه قوله: "واستوجبا أن يقال: إنهما لمن الآثمين"، ثم عبر عن المشهود عليهم بقوله: "استحق عليهم الإثم" ليشاكل ما عبر به عن الجاني، وهو {اسْتَحَقَّا إِثْماً}؛ لأن الجاني إذا كُني عنه بأنه استحق الإثم فالمناسب أن يثكنى عن المجني عليه بقوله: استحق الإثم عليه، فقول المصنف: "من الذي جنى عليهم" تخليص المعنى وزُبدته.

الصفحة 520