كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

وقرئ: (الأولين) على التثنية، وانتصابه على المدح. وقرأ الحسن: (الأولان) ويحتج به من يرى رد اليمين على المدعي. وأبو حنيفة وأصحابه لا يرون ذلك، فوجهه عندهم أن الورثة قد ادعوا على النصرانيين أنهما قد اختانا فحلفا، فلما ظهر كذبهما ادعيا الشراء فيما كتما، فأنكر الورثة فكانت اليمين على الورثة، لإنكارهم الشراء.
فإن قلت: فما وجه قراءة من قرأ: (استحق عليهم الأوليان) على البناء للفاعل، وهم على وأبيّ وابن عباس؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقرئ: "الأولين" بالتثنية، وانتصابه على المدح)، فعلى هذا هو جار على {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ}، لا على {الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ} لعدم المطابقة، وإنما يجعله وصفاً كما في قراءة "الأولين"، لاختلافهما نكرة ومعرفة.
قوله: (فوجه عندهم) أي: أصحاب أبي حنيفة رحمه الله، فإن رد اليمين على المدعي غير سائغ عندهم، لكن قوله: "فلما ظهر كذبهما ادعيا الشراء فيما تما، فأنكر الورثة فكانت اليمين على الورثة"، ليس في رواية البخاري والترمذي وأبي داود ما ينبئ عنه، وظاهر التنزيل يأباه؛ لأن ترتب الجزاء، وهو قوله: {فَآخَرَانِ}، على {فَإِنْ عُثِرَ}، ثم ترتبه على قوله: {إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ} مانع من تخلل هذا الأجنبي في البين، على أنه تعالى صرح بالرد والتعقيب في قوله: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} وجعله قانوناً لمثل هذا الحكم، والله أعلم.
قوله: (من قرأ {اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ} على البناء للفاعل) قراها حفص، أي: حق ووجب عليهم افثم، حق واستحق بمعنى في "المعالم".

الصفحة 522