كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

ومثاله أن ينكب بعض الخوارج على السلطان خاصةً من خواصه نكبةً قد عرفها السلطان واطلع على كنهها وعزم على الانتصار له منه، فيجمع بينهما ويقول له: ما فعل بك هذا الخارجي وهو عالم بما فعل به، يريد توبيخه وتبكيته، فيقول له: أنت أعلم بما فعل بي تفويضاً للأمر إلى علم سلطانه، واتكالا عليه، وإظهاراً للشكاية، وتعظيماً لما حل به منه. وقيل: من هول ذلك اليوم يفزعون ويذهلون عن الجواب، ثم يجيبون بعد ما تثوب إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم. وقيل: معناه علمنا ساقط مع علمك ومغمور به، لأنك علام الغيوب، ومن علم الخفيات لم تخف عليه الظواهر التي منها إجابة الأمم لرسلهم، فكأنه لا علم لنا إلى جنب علمك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أن ينكب)، الأساس: نكب عنه ينكب ونكبت الريح: مالت عن مهاب الرياح، ومن المجاز: نكب في عدوه.
قوله: (للشكاية)، الجوهري: شكوت فلاناً أشكوه شكاية وشكوى وشكاة بفتح الشين المعجمة: إذا أخبرت عنه بسوء فعله بك.
قوله: (وقيل: من هول ذلك اليوم)، ويروي: "هو من هول ذلك اليوم"، الضمير راجع إلى القول، وهو {لا عِلْمَ لَنَا}، أي: وقيل: هذا القول صدر منهم من هول ذلك اليوم، ثم استأنف بقوله: "يفزعون"، فكأنه قيل: ما بالهم تكلموا به وقد سئلوا عن شيء وأجابوا بما لم يطابق السؤال، فأجيب: لأنهم "يفزعون ويذهلون عن الجواب"، فقوله: "وقيل: هو من هول ذلك اليوم" معطوف على قوله: "يعلمون أن الغرض" أي: يعلمون أن الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم فيكلون الأمر إلى علمه قائلين: {لا عِلْمَ لَنَا}، ويجوز أنهم يذهلون عن الجواب ويقولون: {لا عِلْمَ لَنَا}، ثم بعد ما ترجع إليهم عقولهم يجيبون بالشهادة على أممهم.
قوله: (معناه: علمنا ساقط مع علمك)، هذا جواب آخر، على طريقة الأسلوب الحكيم، لأنه جواب بإثبات العلم لله على طريقة يُعلم منها المقصود، وذلك قوله: "لم تخف عليه الظواهر التي منها إجابة الأمم لرسلهم".

الصفحة 526