كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

فكذبوهم وسموهم سحرةً، أو جاوزوا حدّ التصديق إلى أن اتخذوهم آلهةً، كما قال بعض بني إسرائيل فيما أظهر على يد عيسى عليه السلام من البينات والمعجزات: (هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الأحقاف: 7] واتخذه بعضهم وأمه إلهين.
(أَيَّدْتُكَ): قويتك. وقرئ (أيدتك) على: أفعلتك. (بِرُوحِ الْقُدُسِ): بالكلام الذي يحيا به الدين وأضافه إلى القدس، لأنه سبب الطهر من أو ضار الآثام، والدليل عليه قوله تعالى: (تُكَلِّمُ النَّاسَ) و (فِي الْمَهْدِ) في موضع الحال، لأنّ المعنى تكلمهم طفلاً وَكَهْلًا، إلا أن (في المهد) فيه دليلٌ على حدّ من الطفولة. وقيل روح القدس: جبريل صلوات الله عليه أيد به لتثبيت الحجة.
فإن قلت: ما معنى قوله: (فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا)؟ قلت:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب جواب رد لا قبول، ولهذا قال: "والمعنى: أنه توبيخ للكافرين يومئذ"، وختم الآية بقوله تعالى: {فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ}، وهو الوجه الأول من الوجوه المذكورة في جواب سؤاله: "كيف يقولون: {لا عِلْمَ لَنَا} وقد علموا؟ " ألا ترى كيف بين معنى التمييز بقوله: "فكذبوهم وسموهم سحرة، أو جاوزوا حد التصديق"، حيث ميز احتمال السؤال من التصديق والتكذيب بأحدهما وهو التكذيب؟
قوله: (أو جاوزوا حد التصديق): عطف على "فكذبوهم"، وقوله: "كما قال بعض بني إسرائيل" إلى آخره، نشر لهذين المعنيين.
قوله: (والدليل عليه) أي: على أن المراد بروح القدس: الكلام: إيقاع قوله: {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً} إما بياناً للجملة الأولى أو استئنافاً.
قوله: (إلا أن {فِي الْمَهْدِ}) يعني كان المراد من قوله: {فِي الْمَهْدِ}: حال الطفولية، لكن في تخصيص ذكر المهد تتميم ومبالغة، ولهذا نكر قوله: "على حد من الطفولة"، ولو قيل: طفلاً، لم تكن تلك المبالغة؛ لأن الطفولية تنتهي وقت البلوغ لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ} [النور: 59].

الصفحة 529