كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي كلام المصنف لطيفة، وهي أنه تعالى من عليه بقوله: {اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ}، وما كانت تلك النعمة نعمة دنيوية؛ لأنه كان يلبس حينئذ الشعر ويأكل الشجر.
وفيه أن هذه النعمة أيضاً من التأييدات القدسية والمنح الإلهية، روي أن فتحا الموصلي رحمه الله رجع ليلة إلى بيته فلم يجد عشاء ولا سراجاً ولا حطباً، فأخذ يحمد الله تعالى ويتضرع إليه ويقول: إلهي، لأي سبب ووسيلة واستحقاق عاملتني بما تعامل به أنبياءك وأولياءك؟
وقضية النظم على هذا الوجه هو أنه تعالى لما خوف الشاهدين خصوصاً والناس عموماً بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا} [المائدة: 108] بمعنى: واتقوه يوم جمعه الرسل وسؤاله إياهم: بـ {مَاذَا أَجَبْتُمْ} في الدنيا حين أرسلتم إلى القوم؟ وقول الرسل من الهيبة والذهول: {لا عِلْمَ لَنَا}، اتجه لسائل: ما ذاك السؤال والجواب في الدنيا لا علم لي بذلك؟ فقيل له: اذكر وقت بعثة عيسى عليه الصلاة والسلام إلى القوم وتأييده بالمعجزات الباهرة، وجواب بعض القوم له: هذا سحر مبين، وبعضهم: ثالث ثلاثة، ليعلم ذلك السؤال والجواب، يدل على الأول قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ}، و"من" في {مِنْهُمْ}: تبعيضية، وعلى الثاني قوله: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ}، ويدل على أن الوجه هو الأول قول عيسى عليه الصلاة والسلام: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}، قول الله عز وجل: {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ} الآية [المائدة: 116].
وتقرير الكلام على هذا الوجه: اذكر أيها السائل ذلك الوقت الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يرسل عيسى عليه الصلاة والسلام، وحين أيده بالكتاب والحكمة وضم معه المعجزات، وأمره بدعوة القوم إلى الحكمة والعمل بما في الكتاب، فامتثل الأمر وادعى الرسالة وأظهر المعجزات القاهرة وأفحمهم، فأظهروا العجز، وقال بعضهم: إن هذا إلا سحر مبين، وقال

الصفحة 531