كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

"إِذ قالوا" فإذن إنّ دعواهم كانت باطلةً، وإنهم كانوا شاكين، وقوله: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم، وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم معناه: اتقوا اللَّه ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته، ولا تقترحوا عليه، ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أن دعواهم كانت باطلة، وأنهم كانوا شاكين)، قال الزجاج: يحتمل أنهم أرادوا أن يزدادوا تثبيتاً، كقوله صلى الله عليه وسلم: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260]، وأن استنزال المائدة كان قبل علمهم أنه أبرأ الأكمه والأبرص، وأما قول عيسى عليه الصلاة والسلام: {اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}، فالمراد: لا تقترحوا الآيات ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله، وقال الواحدي: لا يدل قولهم على الشك، هذا كما تقول لصاحبك: هل تستطيع أن تقوم؟ أي: هل يسهل عليه إنزال هذه المائدة؟
وقال محيي السنة: لم يكونوا شاكين في قدرة الله، ولكن معناه: هل ينزل أم لا؟ وقيل: {يَسْتَطِيعُ} بمعنى يُطيع، يقال: أطاع واستطاع بمعنى، كقولهم: أجاب واستجاب، معناه: هل يطيعك ربك بإجابة سؤالك؟ وفي الآثار: من أطاع الله أطاعه الله، وأجرى بعضهم على ظاهره.
الانتصاف: هل تستطيع؟ : هل تفعل؟ تقول للقادر: هل تستطيع كذا؟ مبالغة في التقاضي، عبر عن المسبب بالسبب؛ لأن الاستطاعة من أسباب الإيجاد، ومنه تأويل أبي حنيفة: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ} [النساء: 25] أي: ومن لم يملك، وحمل النكاح على الوطء،

الصفحة 534