كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

روي أن عيسى عليه السلام لما أراد الدعاء لبس صوفاً ثم قال: اللهم أنزل علينا، فنزلت سفرةٌ حمراء بين غمامتين؛ غمامة فوقها، وأخرى تحتها، وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم، فبكى عيسى عليه السلام وقال: اللهم اجعلنى من الشاكرين، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مُثلةً وعقوبةً، وقال لهم: ليقم أحسنكم عملاً يكشف عنها ويذكر اسم اللَّه عليها ويأكل منها، فقال شمعون رأس الحواريين: أنت أولى بذلك، فقام عيسى وتوضأ وصلى وبكى، ثم كشف المنديل وقال: بسم اللَّه خير الرازقين، فإذا سمكةٌ مشويةٌ بلا فلوسٍ ولا شوكٍ تسيل دسماً، وعند رأسها ملحٌ، وعند ذنبها خلٌ، وحولها من ألوان البقول ما خلا الكرّاث، وإذا خمسة أرغفةٍ على واحدٍ منها زيتونٌ، وعلى الثاني عسلٌ، وعلى الثالث سمنٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجوز أن تكون الهاء للعذاب، وفيه وجهان: أن يكون على حذف حرف الجر، أي: لا أعذب به أحداً، وأن يكون مفعولاً به على السعة، ويجوز أن يكون ضمير المصدر المؤكد، نحو: ظننته زيداً منطلقاً ولا تعود الهاء على العذاب الأول، فإن قلت: {لا أُعَذِّبُهُ} صفة لعذاب، وحينئذ لا راجع من الصفة إلى الموصوف، قلت: لماوقع الضمير موقع المصدر والمصدر جنس عام، و {عَذَاباً}: نكرة، كان الأول داخلاً في الثاني نحو: زيد نعم الرجل.
قوله: (ولا تجعلها مثلة وعقوبة)، أراد بالمثلة: العقوبة الغريبة مثل المسخ، قال في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} [البقرة: 17]: "لما في المثل من الغرابة قالوا: فلان مثلة في الخير والشر، فاشتقوا منه صفة للعجيب الشأن"، ومنه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة.
النهاية: يقال: مثلت بالحيوان أمثل به مثلاً: إذا قطعت أطرافه وشوهت به، ومثلت بالقتيل: إذا جدعت أنفه وأذنه أو شيئاً من أطرافه، والاسم: المثلة.

الصفحة 539