كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

(سُبْحانَكَ) من أن يكون لك شريك. (ما يَكُونُ لِي): ما ينبغي لي. (أَنْ أَقُولَ) قولاً لا يحق لي أن أقوله، (فِي نَفْسِي): في قلبي: والمعنى: تعلم معلومى ولا أعلم معلومك، ولكنه سلك بالكلام طريق المشاكلة وهو من فصيح الكلام وبينه، فقيل: .........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: {سُبْحَانَكَ} من أن يكون لك شريك)، فإن قلت: قوله: {اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} لا يقتضي الشركة، بل يقتضي أنهم اتخذوهما إلهين من دون الله، على أنه يوهم إنكار الإفراد، ولأنهم لو اتخذوهما إلهين معه لكان جائزاً؛ لأنك إذا قلت: اتخذت فلاناً دوني حبيباً: جاز إنكار إفراده بالاتخاذ، وأجاب الراغب: أن قوله: "من دوني" يحتمل وجهين، أحدهما: إنكار اتخاذهما معبودين وعدم اتخاذه معبوداً، وذلك أنهم لما عبدوهما معه كان عبادتهما له غير معتد بها؛ لأن الله تعالى لا يرضى أن يعبد معه غيره، والثاني: أن دون هاهنا للقاصر عن الشيء، وهم عبدوا المسيح وأمه، فهما توصلا إلى عبادة الله كما عبد الكفار الأصنام حيث قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، فكأنه قيل: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ} متوصلين بنا إلى الله؟ {قَالَ سُبْحَانَكَ} متنزهين عن ذلك.
قوله: (سلك بالكلام طريق المشاكلة)، يعني: لو لم تُقل: {مَا فِي نَفْسِي}، لم يجز أن يقال: {وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}؛ لأنه لا يجوز أن يُطلق على الله ابتداء اسم النفس، قال الزجاج: النفس في كلامهم لمعنيين، أحدهما: قولهم: خرجت نفس فلان، وفي نفس فلان أني فعل كذا، وثانيهما: جملة الشيء وحقيقته، تقول: فلان قتل نفسه، أي: ذاته، وليس معناه أن القتل وقع ببعضه، فمعنى {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} أي: ما أضمره ولا علم ما في حقيقتك وما عندك علمه، أي: تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم.
وقلت: ولابد من الإقرار بالمشاكلة؛ لأن "ما في النفس"- إن أريد المضمرات - فلا مطابقة من جانب الله، فيجب القول بالمشاكلة، وإن أريد ما في الحقيقة والذات فالمشاكلة من حيث

الصفحة 541