كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

فإن قلت: فكيف يصنع؟ قلت يحمل فعل القول على معناه لأن معنى (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ): ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به، حتى يستقيم تفسيره بـ (أن اعبدوا اللَّه ربي وربكم). ويجوز أن تكون (أن) موصولة عطف بيان للهاء لا بدلاً.
(وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً): رقيباً كالشاهد على المشهود عليه، أمنعهم من أن يقولوا ذلك ويتدينوا به (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) تمنعهم من القول به بما نصبت لهم من الأدلة، وأنزلت عليهم من البينات، وأرسلت إليهم من الرسل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويجوز أن تكون {أَن} موصولة عطف بيان للهاء)، قال في "الانتصاف": أراد بعطف البيان السلامة من طرح الأول وخلو الصلة من عائد، ولم يفصل في "المفصل" بين عطف البيان والبدل، إلا في مثل قوله:
أنا ابن التارك البكري بشر
وأنا المعتمد في عطف البيان الأول، والثاني موضح، وفي البدل المعتمد الثاني، والأول بساط له.
قوله: ({وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً}: رقيباً)، فإن قلت: إذا كان "الشهيد" بمعنى "الرقيب" لم عدل منه إلى "الرقيب" في قوله: {كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} مع أنه ذيل الكلام بقوله: {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}؟ قلت: خولف بين العبارتين يميز بين الشهيدين والرقيبين، فكونه عليه الصلاة والسلام رقيباً ليس كالرقيب الذي يمنع ويلزم، بل هو كالشاهد على المشهود عليه ومنعه بمجرد القول، وأنه تعالى هو الذي يمنع منع الإلزام بنصب الأدلة وإنزال البينات وإرسال الرسل.

الصفحة 545