كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) الذين عرفتهم عاصين جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك. (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ): القوى القادر على الثواب والعقاب (الْحَكِيمُ): الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصوابٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: قوله: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} بعد قوله: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ} ن أليس من قبيل قول المصنف قبل هذا في تفسير قوله تعالى: {قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 109]: "لا علم لنا بما كان منهم بعدنا وأن الحكم للخاتمة"، فكيف رده هناك بقوله: "وكيف يخفى عليهم أمرهم وقد رأوهم سود الوجوه"، كما سبق بيانه؟ قلت: ليس منه؛ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام في صدد التنصل والتبري عما نسب إليه من الكلمة الشنعاء وإثباتها فيهم، يدل عليه قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} أي: "الذين عرفتهم عاصين وجاحدين لآياتك ومكذبين لأنبيائك"، كما قال، فأين هذا من ذلك؟
قوله: ({عِبَادُكَ}: الذين عرفتهم) جعل الإضافة في {عِبَادُكَ} بمنزلة التعريف باللام للعهد. الراغب: إن قيل: كيف قال: {عِبَادُكَ} و"العبد" أكثر ما يقال فيمن عبد لا فيمن ملك، وهم لم يعبدوا الله في الحقيقة، إذ قد عبدوا عيسى وأمه؟ قيل: بل "العباد" مستعمل مع الله، فيقال: الناس عباد الله ولا يقال: عباد الأمير إلا على التشبيه، و"العبيد" يقال في الله وفي غيره، ثم الناس كلهم يعبدون الله تسخيراً وقهراً وإن لم يعبدوه طوعاً، فإنهم إذا عبدوا غيره على أنه المنعم عليهم فهم يعبدون الله لأنه هو المنعم، وعلى هذا: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم: 93] ن فإن قيل: لو كانوا يعبدون الله بفعلهم لما ذموا؟ قيل: إنما يذمون بقصدهم فيما يفعلون؛ لأنهم يقصدون عبادة غير الله، والإنسان مثاب ومعاقب بنيته، ولهذا قال: "الأعمال بالنيات".
وإن قيل: كيف قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}، وجواب الشرط إنما يصح فيما يقع في

الصفحة 546