كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

فإن قلت: المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال: (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ)؟ قلت: ما قال إنك تغفر لهم، ولكنه بنى الكلام على: إن غفرت، فقال: إن عذبتهم عدلت، لأنهم أحقاء بالعذاب، وإن غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرمٍ في المعقول. بل متى كان الجرم أعظم جرما كان العفو عنه أحسن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوع الشرط، وقد عُلم أن هؤلاء عباده عذبهم أو لم يعذبهم؟ قيل: هذا الكلام فيه إيجاز، وتقديره: إن تعذبهم فإنك تعذب عبادك، أي: من أمرتهم بعبادتك: تنبيهاً أنهم لم يعبدوك فاستحقوا عقابك، إن قيل: وكيف جاز أن يقول: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} فيعرض بسؤاله العفو عنهم مع علمه أنه تعالى قد حكم بأنه من شرك ابلله فقد حرم الله عليه الجنة؟ قيل: إن هذا ليس بسؤال، وإنما هو كلام على طريق إظهار قدرته تعالى على ما يريد وعلى مقتضى حكمه وحكمته، ولهذا قال: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تنبيهاً أنه لا امتناع لحد من عزته، فلا اعتراض في حكمه وحكمته، ولم يقل: "الغفور الرحيم" وإن اقتضاهما الظاهر، قال:
أذنبت ذنباً عظيماً ... وأنت للعفو أهل
فإن غفرت ففضل ... وإن جزيت فعدل
قوله: (لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول)، قال الإمام: غُفران الشرك جائز عندنا وعند جمهور البصريين من المعتزلة، قالوا: لأن العقاب حق الله تعالى على المذنب، وليس في إسقاطه على الله تعالى مضرة، فوجب أن يكون حسناً، بل دل الدليل السمعي في شرعنا على أنه لا يقع، فلعل هذا الدليل ما كان موجوداً في شرع عيسى عليه الصلاة والسلام.
وقال القاضي: إن تعذبهم فإنك تعذب عبادك، ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بملكه، وإن تغفر لهم فلا عجز ولا استقباح، فإنك القادر القوي على الثواب والعقاب،

الصفحة 547