كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

لأنه في معنى الشهادة لعيسى عليه السلام بالصدق فيما يجيب به يوم القيامة؟ قلت: معناه الصدق المستمر بالصادقين في دنياهم وآخرتهم. وعن قتادة: متكلمان تكلما يوم القيامة، أمّا إبليس فقال: إنّ اللَّه وعدكم وعد الحق، فصدق يومئذ وكان قبل ذلك كاذباً، فلم ينفعه صدقه، وأما عيسى عليه السلام فكان صادقاً في الحياة وبعد الممات فنفعه صدقه.
[(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)].
فإن قلت: في السموات والأرض العقلاء وغيرهم، فهلا غلب العقلاء، فقيل: "ومن فيهنّ؟ " قلت: «ما» يتناول الأجناس كلها تناولاً عاماً، ألا تراك تقول إذا رأيت شبحاً من بعيدٍ: ما هو؟ قبل أن تعرف أعاقلٌ هو أم غيرهُ؟ فكان أولى بإرادة العموم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحاصل في الدنيا؛ لأن قوله: {يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} في بيان شأن شهادة الله تعالى بصدق عيسى عليه الصلاة والسلام فيما يجيب به الله تعالى يوم القيامة، وهو قوله: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ} [المائدة: 116] إلى قوله: {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، كأنه تعالى يقول: صدقت فيما أجبت به، وهذا لا يكون في الدنيا فكيف قال: {يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} ولم يقل: "صدقت" ليطابق مقتضى الظاهر؟ وأجاب: أن عيسى عليه الصلاة والسلام لما مهد عذره بتلك العبارات الفائقة البالغة في التبري عما يُنسب إليه ونزه الله التنزيه، قابله الله تعالى بالشهادة له بالصدق بما هو أبلغ مما أتى به في التنصل حيث عم المكلفين كلهم وعم أوقاتهم المختصة بالصدق كلها ليدخل عليه الصلاة والسلام في ذلك العام دخولاً أولياً.
قوله: (فكان أولى بإرادة العموم)، يعني: المقام يقتضي العموم و"ما" أعم من غيرها، فكان أولى في الإيراد. وبيان المقام ما ذكره القاضي، قال: في الآية تنبيه على كذب النصارى

الصفحة 550