كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين كانت الخمر مباحة، فأكلوا وشربوا، فلما ثملوا وجاء وقت صلاة المغرب قدموا أحدهم ليصلي بهم، فقرأ: أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، فنزلت. فكانوا لا يشربون في أوقات الصلوات، فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون. ثم نزل تحريمها.
ومعنى) لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ (لا تغشوها ولا تقوموا إليها، واجتنبوها، كقوله: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) [الإسراء: 32]، (لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) [الأنعام: 151]. وقيل معناه: ولا تقربوا مواضعها وهي المساجد، لقوله عليه الصلاة والسلام: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم) وقيل: هو سكر النعاس وغلبة النوم، كقوله:
......... وَرَانُوا ... بِسُكْرِ سِنَاتِهِمْ كُلَّ الرُّيُونِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الأعمال ما يتعلق بالجوارح وخص بالصلاة التي هي أعظمها، وقدم ذكر ما هو متوقفٌ عليه من رفع الجنابة والحدث بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ).
قوله: (ثملوا)، الجوهري: ثَمِلَ الرجل- بالكسر- ثَمَلاً: إذا أخذ فيه الشراب، فهو ثَمِلٌ، أي: نشوان.
قوله: (كل الريون)، الرين والغين: ما يركب القلب، ران الرجل بالشراب وران الشراب بالرجل: إذا جعله رايناً، أي: ثقيلاً، والسنات: جمع سنة، وهي مقدمة النوم. قوله: ((رانوا)) من المصراع الأول، و ((بسكر)) من المصراع الثاني، ووجد في ((ديوان الطرماح)) ممن قصيدته:
وركب قد بعثت إلى ردايا ... طلائح مثل أخلاق الجفون
مخافة أن يرين النوم فيهم ... بسكر سناتهم كل الريون
الردية: الناقة المهزولة. طلائح: جمع طليحة، وهي ناقةٌ جهدها السير وهزلها.

الصفحة 6