حازِمٌ، ما يَخفى عليك الحقُّ من الباطلِ، ما هذه الأوثانُ التي تَعبُدها؟ هل هي إلا حجارةٌ صمٌّ بُكْمٌ، لا تسَمعُ ولا تُبصرُ، ولا تضرُّ ولا تَنفع؟ ! قال: قلتُ: بلى، قال: فواللَّه لقد صَدَقَتْ خالتُكَ، هذا رسولُ اللَّه قد بعثه اللَّه إلى خلقه، فهل لك أن تأتيَه فتسمع كلامه؟ فقلت: بلى، فأتيتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال لي: "يا عثمان، إني رسول اللَّه إلى خلقه، فأجب اللَّه إلى جَنَّتهِ"، قال: فواللَّهِ ما تمالكتُ حين سمعتُ كلامَه أن أسلمتُ، فزوَّجني رسولُ اللَّه رُقيَّةَ ابنته، فقالت خالتي: [من الطويل]:
وأنكَحه المبعوثُ بالحقِّ بنتَه ... فكان كبَدْرٍ مازجَ الشَّمسَ في الأُفْقِ (¬1)
وقد ذكر أنه أسلم على يد أبي بكرٍ، وأن أبا بكرٍ كان السببَ في إسلامه.
وقال ابن سعدٍ بإسناده عن محمد بن إبراهيم التّيمي، عن أبيه قال: لمّا أسلم عثمان أخذه عمُّه الحكم بن أبي العاص بن أمية، فأوثقه رِباطًا وقال: أترغَبُ عن دين آبائك؟ فقال عثمان: واللَّهِ لا أدَعُ ديني أبدًا، فلما رأى الحكم صَلابتَه في دينه تَركه (¬2).
فصل في ترجمة الهرمزان
وكان ينبغي أن يُذكر في السنة الماضية، لأن فيها كانت القاضية.
وقال عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي اللَّه عنهما- حين قتل عمر رضوان اللَّه عليه: قد مَررتُ على أبي لُؤلؤة قاتل عمر، ومعه جُفينة والهرمزان وهم نَجِيّ، فلما بَغَتُّهم ثاروا، فسقط من بينهم خَنجرٌ له رأسان ونِصابُه وَسطه، فانظروا ما الخَنجرُ الذي قُتل به عمر؟ ! فنظروا فوجدوه ذلك الخنجر.
فانطلق عُبيد اللَّه بن عمر حين سمع ذلك من عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه السيف، فدعا الهرمزان، فلما خرج إليه قال: انطلق معي حتى نَنظُرَ إلى فَرسٍ لي، فانطلق وتأخّر عنه عُبيد اللَّه، حتى إذا صار بين يديه علاه بالسيف، قال عُبيد اللَّه: فلما وَجد حَرَّ السَّيف قال: لا إله إلا اللَّه.
قال عُبيد اللَّه: ودعوتُ جُفَينة، وكان نصرانيًّا من نصارى الحِيرة، وكان ظِئْرًا لسعد
¬__________
(¬1) تاريخ دمشق (عثمان) 20 - 21.
(¬2) طبقات ابن سعد 3/ 52.