كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 5)

فصارت كلّها مسجدًا، فيحتمل أن معنى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "صلاةٌ في مسجدي"؛ تَرغيبٌ في الصلاة فيه، فأما إذا زِيَد فيه، فإنَّ الزائدَ يَصير تبَعًا، فيكون له حُكْمُ الكُلَّ؛ لأن بَركتَه -صلى اللَّه عليه وسلم- تعمُّ الدنيا بأسرِها، ألا ترى أن عمر وسَّع في المسجدِ الحرامِ، والصلاةُ فيه في الفضيلةِ سواءٌ (¬1).

فصل: وحجَّ بالناس عثمان، وأتمَّ الصلاةَ بمكَّةَ وعَرفة، وضرب بمنًى فُسْطاطًا، وصلّى أربعًا.
وقال الواقدي: صلّى عثمان بمنى ومكَّةَ وعرفة أوَّل خلافته ركعتين ركعتين، حتى إذا كانت السنة السادسة من خلافتهِ صلّى أربعًا، فعاب الناسُ عليه ذلك، وهذا ثامنُ أمرٍ عابوه عليه، قال: وجاءه عليٌّ فقال: ما هذا؟ ما حَدَث أمرٌ ولا قَدُم عَهدٌ، وقد صلَّينا هاهُنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكرٍ وعمر ركعتين، وفعلتَه صَدرًا من خلافتك، فلمَ أحدثتَ هذا؟ فقال: رأيٌ رأيتُه، فقال: بئس ما رأيتَ.
وجاءه عبد الرحمن بنُ عوف فأغلظ له، فقال: إني اتَّخذتُ بمكة أهلًا، ولي بالطائف مالٌ، وربما أقمتُ بعد الصَّدَرِ، فقد صرتُ من أهلها، وإن حُجّاجَ اليمنِ قالوا في العام الماضي: الصلاةُ للمقيمِ ركعتان، وهذا إمامكم يُصَلِّي ركعتين وهو مقيمٌ، فقال له عبد الرحمن: لا عُذْرَ لك فيما ذكرتَ.
وأما أهلُ اليمنِ فقد ضرب الإسلام بجِرانِه، وفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك، وكان الناس حينئذٍ قليلًا، ولم يَفهموا ما قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى بيَّنه بفعلهِ وقولهِ: "أتِمُّوا صلاتكم فإنا قومٌ سَفْرٌ" (¬2).
وأما قولُك: إنك صِرتَ من أهلِ مكَّةَ، فلست من أهل مكة، زوجتك بالمدينة،
¬__________
(¬1) من قوله: وذكر جدي. . . إلى هنا ليس في (خ) و (ع)، والحديث أخرجه أحمد (14264)، والبخاري (335)، ومسلم (521) عن جابر -رضي اللَّه عنه-.
(¬2) أخرجه الطيالسي (840) و (858)، وأبو داود (1229)، وابن خزيمة (1643)، والبيهقي في السنن الكبرى 3/ 154 من حديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه-.

الصفحة 457