كتاب اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 5)

قَالَ: "أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ".
(كخ) بفتح الكاف وكسرها، وسكون الخاء، ويجوز كسرها مع التَّنوين، وهي كلمةٌ يُزجَر بها الصِّبيان، أي: اتْرُكْه وارمِ به، وأشار البُخَارِيّ في (باب: مَن تكلَّم بالفارسية) إلى أنَّها أعجميةٌ مُعرَّبةٌ.
(أما شعرت) هذه الكلمة تُقال في الشَّيء الواضح، وإنْ لم يكن المُخاطَب عالمًا به، أي: كيف خَفِيَ عليك مع ظُهور تحريمه؟ وهو أبلَغُ في الزَّجْر.
والحِكْمة في تحريمها عليهم؛ لأنها مطهِّرة كما قال تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فهي كغُسالة الأوساخ، وآلُ محمد - صلى الله عليه وسلم - منزَّهون عن أوساخ النَّاس، وإما لأن أخْذها مَذلَّةٌ؛ لأنها اليد السُّفلى، ولا يَليق بهم الذلُّ والافتقار إلى غير الله تعالى، ولهم اليد العُليا، وإما أنَّهم لو أخذوها لطالَ لسان الأعداء أن محمدًا يَدعونا إلى ما يأْخذه، فيُعطيه لأهل بيته، قال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: 90]، ولهذا أمر أن يصرفه إلى فُقرائهم في بلدتهم.
قال الطَّحَاوِي: قال أبو حنيفة: تحلُّ الصدقة لهم فَرضًا أو نَفلًا؛ لأنها إنما كانت محرمةً من أجْل أن لهم الخمُس من سهم ذي القُربى، فلمَّا انقطع ذلك بموت النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حلَّ بذلك لهم ما كان حرامًا، وقال صاحباه: تَحرُم عليهم كلاهما.
* * *

الصفحة 473