كتاب اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه (اسم الجزء: 5)

أحدهما، وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جَذْرِ قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم عَلِمُوا من السُّنَّة، وحَدَّثنا عن رفعها قال: "ينام الرجل النَّوْمَةَ فتُقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوَكْتِ، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه (¬1) فيبقى أثرها مثل المَجْلِ، كجَمْرِ دحرجته على رِجْلك فنَفِطَ، فتراه مُنْتَبِرًا وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد (¬2) يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، ويقال للرجل: ما أعقله، وما أظرفه، وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ولقد أتى عليَّ زمان، ولا أبالي أيَّكم بايعت (¬3)، لئن كان مسلمًا رده عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيًّا أو يهوديًّا رده عليَّ ساعيه، فاما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانًا وفلانًا.
الغريب:
"الجَذْر": الأصل من كل شيء، ويقال بكسر الجيم وفتحها. و"الوَكْت": بالكاف: الأثر الخفي. ومنه: بُسْر مُوكَت: إذا بدت فيه نقطة من الإرطاب. و"المَجْل": بالجيم: أثر العمل في الكفّ، يقال منه: مَجَلَتْ يده تَمْجُل: إذا صارت فيها نفاخات من العمل.
وقوله: "بايعت": من البيع، لا من المبايعة، واللَّه أعلم.
¬__________
(¬1) "الأمانة من قلبه" ليست في "صحيح البخاري".
(¬2) في "صحيح البخاري": "أحدهم".
(¬3) (أيكم بايعت): قال الخطابي: تأوله بعض الناس على بيعة الخلافة، وهذا خطأ، وكيف يكون وهو يقول إن كان نصرانيًّا رده عليَّ ساعيه، فهل يبايع النصراني على الخلافة؟ وإنما أراد مبايعة البيع والشراء.

الصفحة 57