كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)
وَكَانَ يُعَدُّ فِي الْعَرَبِ، حَتَّى ثَارَتِ الْفِتْنَةُ الأُولَى، خَمْسَةٌ، يُقَالُ لَهُمْ: ذَوُو رَأْيِ الْعَرَبِ وَمَكِيدَتُهُمْ، يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ: مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرٌو، وَيُعَدُّ مِنَ الأَنْصَارِ: قَيْسُ بن سَعْدٍ، وَيُعَدُّ مِنَ المُهَاجِرِينَ: عَبدُ اللهِ بن بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، وَيُعَدُّ مِنْ ثَقِيفَ: المُغِيرَةُ بن شُعْبَةَ، فَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ مِنْهُمْ رَجُلاَنِ: قَيْسُ بن سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بن بُدَيْلٍ، وَكَانَ المُغِيرَةُ مُعْتَزِلاً بِالطَّائِفِ وَأَرْضِهَا، فَلَمَّا حُكِّمَ الْحَكَمَانِ، فَاجْتَمَعَا بِأَذْرُحَ، وَافَاهُمَا المُغِيرَةُ بن شُعْبَةَ، وَأَرْسَلَ الْحَكَمَانِ إِلَى عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَإِلَى عَبدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَوَافَى رِجَالاً كَثِيرًا (1) مِنْ قُرَيْشٍ، وَوَافَى مُعَاوِيَةُ بِأَهْلِ الشَّامِ، وَوَافَى أَبو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، وَعَمْرُو بن الْعَاصِ، وَهُمَا الْحَكَمَانِ، وَأَبَى عَلِيٌّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ يُوَافُوا، فَقَالَ المُغِيرَةُ بن شُعْبَةَ لِرِجَالٍ مِنْ ذَوِي رَأْيِ أَهْلِ قُرَيْشٍ: هَلْ تَرَوْنَ أَحَدًا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَعْلَمَ: أَيَجْتَمِعُ هَذَانِ الْحَكَمَانِ أَمْ لاَ؟ فَقَالُوا لَهُ: لاَ نَرَى أَنَّ أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَاللهِ إِنِّي لأَظُنُّنِي سَأَعْلَمُهُ مِنْهُمَا حِينَ أَخْلُو بِهِمَا، فَأُرَاجِعُهُمَا، فَدَخَلَ عَلَى عَمْرِو بنِ الْعَاصِ فَبَدَأَ بِهِ
_حاشية__________
(1) هكذا في طبعتي دار التأصيل، والمكتب الإسلامي، وقال فِي الحاشية: وهو لحن، والصواب: «رجال كثير». وفي طبعة دار الكتب العلمية: «رِجَالاً كَثِيرٌ».
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ: كَيْفَ تَرَانَا مَعْشَرَ المُعْتَزِلَةِ؟ فَإِنَّا قَدْ شَكَكْنَا فِي هَذَا الأَمْرِ الَّذِي قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ فِي هَذَا الْقِتَالِ، وَرَأَيْنَا نَسْتَأْنِيَ وَنَتَثَبَّتُ، حَتَّى تَجْتَمِعَ الأُمَّةُ عَلَى رَجُلٍ، فَنَدْخُلَ فِي صَالِحِ مَا دَخَلَتْ فِيهِ الأُمَّةُ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: أَرَاكُمْ مَعْشَرَ المُعْتَزِلَةِ خَلْفَ الأَبْرَارِ، وَمَعْشَرَ الْفُجَّارِ، فَانْصَرَفَ المُغِيرَةُ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَن غَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَخَلاَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لِعَمْرٍو، فَقَالَ أَبو مُوسَى: أَرَاكُمْ أَثْبَتَ النَّاسِ رَأْيًا، وَأَرَى فِيكُمْ بَقِيَّةَ المُسْلِمِينَ. فَانْصَرَفَ، فَلَمْ يَسْأَلْهُ عَن غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَقِيَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ مَا قَالَ مِنْ ذَوِي رَأْيِ قُرَيْشٍ، قَالَ: أُقْسِمُ لَكُمْ لاَ يَجْتَمِعُ هَذَانِ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَيَدْعُوَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى رَأْيَهِ.
فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْحَكَمَانِ، وَتَكَلَّمَا خَالِيَيْنِ، فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَا مُوسَى، أَرَأَيْتَ أَوَّلَ مَا نَقْضِي بِهِ فِي الْحَقِّ؟ عَلَيْنَا أَنْ نَقْضِيَ لأَهْلِ الْوَفَاءِ بِالْوَفَاءِ، وَلأَهْلِ الْغَدْرِ بِالْغَدْرِ، فَقَالَ أَبو مُوسَى: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَ الشَّامِ قَدْ وَافَوْا لِلْمَوْعِدِ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ إِيَّاهُ؟ فَقَالَ: فَاكْتُبْهَا، فَكَتَبَهَا أَبو مُوسَى،
الصفحة 100