كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)

قَالَ عَبدُ اللهِ بن عُمَرَ: فَأَطْلَقْتُ حَبْوَتِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ إِلَيْهِ، فَأَقُولَ: يَتَكَلَّمُ فِيهِ رِجَالٌ قَاتِلُوكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلاَمِ، ثُمَّ خَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتُسْفَكُ فِيهِ الدِّمَاءُ، وَأُحْمَلُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ رَأْيٍ، فَكَانَ مَا وَعَدَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْجِنَانِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا انْطَلَقْتُ إِلَى مَنْزِلِي، أَتَانِي حَبِيبُ بن مَسْلَمَةَ فَقَالَ: مَا الَّذِي مَنَعَكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ حِينَ سَمِعْتَ الرَّجُلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ أَرَدْتُ ذَلِكَ، ثُمَّ خَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَأُحْمَلُ فِيهَا عَلَى غَيْرِ رَأْيٍ، فَكَانَ مَا وَعَدَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْجِنَانِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَقَالَ حَبِيبُ بن مَسْلَمَةَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَإِنَّكَ عُصِمْتَ، وَحُفِظْتَ مِمَّا خِفْتَ عُرَّتَهُ.
26- حَدِيثُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلاَطٍ.
10531- عبد الرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَن ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبِيرَ، قَالَ الْحَجَّاجُ بن عِلاَطٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالاً، وَإِنَّ لِي بِهَا أَهْلاً، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَهُمْ، فَأَنَا فِي حَلٍّ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْكَ، أَوْ قُلْتُ شَيْئًا؟ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ، فَأَتَى امْرَأَتَهُ حِينَ قَدِمَ، فَقَالَ: اجْمَعِي لِي مَا كَانَ عِنْدَكِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ،
فَإِنَّهُمْ قَدِ اسْتُبِيحُوا، وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَفَشَا ذَلِكَ بِمَكَّةَ، فَانْقَمَعَ المُسْلِمُونَ، وَأَظْهَرَ المُشْرِكُونَ فَرَحًا وَسُرُورًا، قَالَ: وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْعَبَّاسَ بن عَبدِ المُطَّلِبِ، فَقَعَدَ، وَجَعَلَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عَن مِقْسَمٍ قَالَ: فَأَخَذَ ابْنًا لَهُ، يُشْبِهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَالُ لَهُ: قُثَمٌ، فَاسْتَلْقَى، فَوَضَعَهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
حِبِّي قُثَمْ ... شَبِيهُ ذِي الأَنْفِ الأَشَمْ
نَبِيِّ رَبٍّ ذِي النِّعَمْ ... بِرَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمْ.
قَالَ ثَابِتٌ: قَالَ أَنَسٌ: ثُمَّ أَرْسَلَ غُلاَمًا لَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ: مَاذَا جِئْتَ بِهِ؟ وَمَاذَا تَقُومُ؟ فَمَا وَعَدَ اللهُ خَيْرًا مِمَّا جِئْتَ بِهِ، قَالَ: فَقَالَ الْحَجَّاجُ بن عِلاَطٍ: اقْرَأْ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: فَلْيُخَلِّ لِي بَعْضَ بُيُوتِهِ لآتِيَهُ، فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ غُلاَمُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ الدَّارِ، قَالَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا الْفَضْلِ، قَالَ: فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ فَرَحًا، حَتَّى قَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ الْحَجَّاجُ، فَأَعْتَقَهُ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ الْحَجَّاجُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ، وَجَرَتْ سِهَامُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَمْوَالِهِمْ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ ابْنَةَ حُيَيٍّ، فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، وَخَيَّرَهَا بَيْنَ أَنْ يُعْتِقَهَا وَتَكُونَ زَوْجَهُ، أَوْ تَلْحَقَ بِأَهْلِهَا، فَاخْتَارَتْ أَنْ يُعْتِقَهَا، وَتَكُونَ زَوْجَهُ، وَلَكِنِّي جِئْتُ لِمَا كَانَ لِي هَاهُنَا، أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَهُ، فَأَذْهَبَ بِهِ،

الصفحة 102