كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)

10538- قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي سَعيدُ بن المُسَيَّبِ، أَنَّ عَبدَ الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ، وَلَمْ نُجَرِّبْ عَلَيْهِ كِذْبَةً قَطُّ، قَالَ حِينَ قُتِلَ عُمَرُ: انْتَهَيْتُ إِلَى الْهُرْمُزَانِ، وَجُفَيْنَةَ، وَأَبِي لُؤْلُؤَةَ، وَهُمْ نَجِيٌّ، فَبَغَتُّهُمْ، فَثَارُوا وَسَقَطَ مِنْ بَيْنَهُمْ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ، نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ، فَقَالَ عَبدُ الرَّحْمَنِ: فَانْظُرُوا بِمَا قُتِلَ عُمَرُ؟ فَنَظَرُوا، فَوَجَدُوهُ خِنْجَرًا عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ عَبدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: فَخَرَجَ عُبَيْدُ اللهِ بن عُمَرَ مُشْتَمِلاً عَلَى السَّيْفِ، حَتَّى أَتَى الْهُرْمُزَانَ، فَقَالَ: اصْحَبْنِي حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى فَرَسٍ لِي، وَكَانَ الْهُرْمُزَانُ بَصِيرًا بِالْخَيْلِ، فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَلاَهُ عُبَيْدُ اللهِ بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا وَجَدَ حَرَّ السَّيْفِ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَتَى جُفَيْنَةَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَدَعَاهُ، فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُ عَلاَهُ بِالسَّيْفِ، فَصُلِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ،
ثُمَّ أَتَى ابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ، جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ، تَدَّعِي الإِسْلاَمَ، فَقَتَلَهَا، فَأَظْلَمَتِ المَدِينَةُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَهْلِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِالسَّيْفِ صَلْتًا فِي يَدَهِ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لاَ أَتْرُكُ فِي المَدِينَةِ سَبْيًا إِلاَّ قَتَلْتُهُ، وَغَيْرَهُمْ، وَكَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِنَاسٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: أَلْقِ السَّيْفَ، وَيَأْبَى، وَيَهَابُونَهُ أَنْ يَقْرَبُوا مِنْهُ، حَتَّى أَتَاهُ عَمْرُو بن الْعَاصِ، فَقَالَ: أَعْطِنِي السَّيْفَ يَا ابْنَ أَخِي، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ ثَارَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ، فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ، فَتَنَاصَيَا، حَتَّى حَجَزَ النَّاسُ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ، قَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي فَتَقَ فِي الإِسْلاَمِ مَا فَتَقَ، يَعْنِي عُبَيْدَ اللهِ بن عُمَرَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ المُهَاجِرُونَ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ: أَقُتِلَ عُمَرُ أَمْسَ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تُتْبِعُوهُ ابْنَهُ الْيَوْمَ؟ أَبْعَدَ اللهُ الْهُرْمُزَانَ وَجُفَيْنَةَ، قَالَ: فَقَامَ عَمْرُو بن الْعَاصِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْفَاكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرُ وَلَكَ عَلَى النَّاسِ مِنْ سُلْطَانٍ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الأَمْرُ وَلاَ سُلْطَانَ لَكَ، فَاصْفَحْ عَنْهُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى خُطْبَةِ عَمْرٍو، وَوَدَى عُثْمَانُ الرَّجُلَيْنِ وَالْجَارِيَةَ.

الصفحة 110