كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)
10453- قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ يَتَّبِعْهُ مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهِ غَيْرُ رَجُلَيْنِ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَحِمَهُمَا اللهُ، وَكَانَ عُمَرُ شَدِيدًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ أَيِّدْ دِينَكَ بِابْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ أَوَّلُ إِسْلاَمِ عُمَرَ، بَعْدَ مَا أَسْلَمَ قَبْلَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، أَنْ حُدِّثَ أَنَّ أُخْتَهُ أُمَّ جَمِيلِ ابْنَةَ الْخَطَّابِ أَسْلَمَتْ،
وَإِنَّ عِنْدَهَا كَتِفًا اكْتَتَبَتْهَا مِنَ الْقُرْآنِ، تَقْرَأُهُ سِرًّا، وَحُدِّثَ أَنَّهَا لاَ تَأْكُلُ مِنَ المَيْتَةِ الَّتِي يَأْكُلُ مِنْهَا عُمَرُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: مَا الْكَتِفُ الَّذِي ذُكِرَ لِي عِنْدَكِ، تَقْرَئِينَ فِيهَا مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: مَا عِنْدِي كَتِفٌ، فَصَكَّهَا، أَوْ قَالَ: فَضَرَبَهَا عُمَرُ، ثُمَّ قَامَ فَالْتَمَسَ الْكَتِفَ فِي الْبَيْتِ، حَتَّى وَجَدَهَا، فَقَالَ حِينَ وَجَدَهَا: أَمَا إِنِّي قَدْ حُدِّثْتُ أَنَّكِ لاَ تَأْكُلِينَ طَعَامِي الَّذِي آكُلُ مِنْهُ، ثُمَّ ضَرَبَهَا بِالْكَتِفِ، فَشَجَّهَا شَجَّتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ بِالْكَتِفِ حَتَّى دَعَا قَارِئًا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ، وَكَانَ عُمَرُ لاَ يَكْتُبُ، فَلَمَّا قُرِأَتْ عَلَيْهِ تَحَرَّكَ قَلْبُهُ حِينَ سَمِعَ الْقُرْآنَ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ الإِسْلاَمُ فَلَمَّا أَمْسَى انْطَلَقَ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، فَسَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} حَتَّى بَلَغَ: {الظَّالِمُونَ} وَسَمِعَهُ يَقْرَأُهَا: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً} حَتَّى بَلَغَ: {عِلْمُ الْكِتَابِ} قَالَ: فَانْتَظَرَ عُمَرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَلَّمَ مِنْ صَلاَتِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ، فَأَسْرَعَ عُمَرُ المَشْيَ فِي أَثَرِهِ حِينَ رَآهُ فَقَالَ: انْظُرْنِي يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعُوذُ باللهِ مِنْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: انْظُرْنِي يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَانْتَظَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآمَنَ بِهِ عُمَرُ وَصَدَّقَهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ انْطَلَقَ،
حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَالِهِ الْوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ، فَقَالَ: أَيْ خَالِي، اشْهَدْ أَنِّي أُؤْمِنُ باللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبِرْ بِذَلِكَ قَوْمَكَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: ابْنُ أُخْتِي، تَثَبَّتْ فِي أَمْرِكَ، فَأَنْتَ عَلَى حَالٍ تُعْرَفُ بِالنَّاسِ، يُصْبِحُ المَرْءُ فِيهَا عَلَى حَالٍ، وَيُمْسِي عَلَى حَالٍ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ قَدْ تَبَيَّنَ لِي الأَمْرُ، فَأَخْبِرْ قَوْمَكَ بِإِسْلاَمِي، فَقَالَ الْوَلِيدُ: لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْكَ، فَدَخَلَ عُمَرُ، فَاسْتَأْنَى (1)، فَلَمَّا عَلِمَ عُمَرُ أَنَّ الْوَلِيدَ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ شَأْنِهِ، دَخَلَ عَلَى جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيِّ، فَقَالَ: أَخْبِرْ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَقَامَ جَمِيلُ بن مَعْمَرٍ يَجُرُّ رِدَاءَهُ مِنَ الْعَجَلَةِ جَرًّا، حَتَّى تَتَبَّعَ مَجَالِسَ قُرَيْشٍ، يَقُولُ: صَبَأَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ، فَلَمْ تُرْجِعْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ شَيْئًا، وَكَانَ عُمَرُ سَيِّدَ قَوْمِهِ، فَهَابُوا الإِنْكَارَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُمْ لاَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَشَى، حَتَّى أَتَى مَجَالِسَهُمْ أَكْمَلَ مَا كَانَتْ، فَدَخَلَ الْحِجْرَ، فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، فَثَارُوا، فَقَاتَلَهُ رِجَالٌ مِنْهُمْ قِتَالاً شَدِيدًا، وَضَرَبَهُمْ عَامَّةَ يَوْمِهِ، حَتَّى تَرَكُوهُ، وَاسْتَعْلَنَ بِإِسْلاَمِهِ، وَجَعَلَ يَغْدُو عَلَيْهِمْ وَيَرُوحُ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، فَتَرَكُوهُ، فَلَمْ يَتْرُكُوهُ بَعْدَ ثَوْرَتِهِمُ الأُولَى، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ أَسْلَمَ فَعَذَّبُوا مِنَ المُسْلِمِينَ نَفَرًا.
_حاشية__________
(1) هكذا في طبعة دار التأصيل، وفي طبعة دار الكتب العلمية: «فاسنى لنا ليا»، وفي طبعة المكتب الإسلامي: «فاستالناليا».
الصفحة 13