كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)
ثُمَّ سَارَ فِي قُرَيْشٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ إِنَّمَا يُشِيرُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا، لأَنَّ ابْنَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ عَمِّهِ، فَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يُقْتَلَ ابْنُهُ، وَابْنُ عَمِّهِ، فَغَضِبَ عُتْبَةُ بن رَبِيعَةَ، فَقَالَ: أَيْ مُصَفِّرَ اسْتِهِ، سَتَعْلَمُ أَيُّنَا أَجْبَنُ وَأَلأَمُ، وَأَفْشَلُ لِقَوْمِهِ الْيَوْمَ، ثُمَّ نَزَلَ، وَنَزَلَ مَعَهُ أَخُوهُ شَيْبَةُ بن رَبِيعَةَ، وَابْنُهُ الْوَلِيدُ بن عُتْبَةَ، فَقَالُوا: أَبْرِزْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا (1)، فَثَارَ نَاسٌ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ، فَأَجْلَسَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلِيٌّ، وَحَمْزَةُ، وَعُبَيْدَةُ بن الْحَارِثِ بْنِ عَبدِ المُطَّلِبِ بْنِ عَبدِ مَنَافٍ، فَاخْتَلَفَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَقَرِينُهُ ضَرْبَتَيْنِ، فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ، وَأَعَانَ حَمْزَةُ عَلِيًّا عَلَى صَاحِبِهِ، فَقَتَلَهُ، وَقُطِعَتْ رِجْلُ عُبَيْدَةَ، فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّلَّ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنَ المُسْلِمِينَ: مِهْجَعٌ، مَوْلَى عُمَرَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ نَصْرَهُ، وَهَزَمَ عَدُوَّهُ، وَقُتِلَ أَبو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَفَعَلْتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللهِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّ عَهْدِي بِهِ فِي رُكْبَتَيْهِ حَوَرٌ فَاذْهَبُوا فَانْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَنَظَرُوا، فَرَأَوْهُ، قَالَ:
_حاشية__________
(1) هكذا في طبعة دار التأصيل، وفي طبعتي المكتب الإسلامي، ودار الكتب العلمية: «أَكْفَئنَا».
- قال محقق طبعة المكتب الإسلامي: ولعل الصواب «أَكْفَاءَنَا» ففي رواية ابن إسحاق «أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا» راجع «ابن كثير» 3/ 273.
وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَتْلَى، فَجُرُّوا حَتَّى أُلْقُوا فِي قَلِيبٍ، ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْ عُتْبَةُ بن رَبِيعَةَ، أَيْ أُمَيَّةُ بن خَلَفٍ، فَجَعَلَ يُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ، رَجُلاً رَجُلاً: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَيَسْمَعُونَ مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنْتُمْ بِأَعْلَمَ بِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، أَيْ إِنَّهُمْ قَدْ رَأَوْا أَعْمَالَهُمْ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ هِشَامَ بن عُرْوَةَ يُحَدِّثُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ يَوْمَئِذٍ زَيْدَ بن حَارِثَةَ بَشِيرًا، يُبَشِّرُ أَهْلَ المَدِينَةِ، فَجَعَلَ نَاسٌ لاَ يُصَدِّقُونَهُ، وَيَقُولُونَ: وَاللهِ مَا رَجَعَ هَذَا إِلاَّ فَارًّا، وَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ بِالأُسَارَى، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَنْ قُتِلَ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، حَتَّى جِيءَ بِالأُسَارَى، مُقَرَّنِينَ فِي قَيْدٍ، ثُمَّ فَادَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الصفحة 27