كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)
فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ، حَتَّى لَحِقُوهُمْ، فَلَمَّا أَحَسَّهُمْ عَاصِمُ بن ثَابِتٍ وَأَصْحَابُهُ، لَجَأُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ الْقَوْمُ، فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالمِيثَاقُ، إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا لاَ نَقْتُلُ مِنْكُمْ رَجُلاً، فَقَالَ عَاصِمُ بن ثَابِتٍ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا رَسُولَكَ، قَالَ: فَقَاتَلُوهُمْ، حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ، وَبَقِيَ خُبَيْبُ بن عَدِيٍّ، وَزَيْدُ بن دَثِنَةَ، وَرَجُلٌ آخَرَ، فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالمِيثَاقَ إِنْ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَنَزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ، حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ، فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي كَانَ مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَجَرُّوهُ، فَأَبَى أَنْ يَتَّبِعَهُمْ، وَقَالَ: لِي فِي هَؤُلاَءِ أُسْوَةٌ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ دَثِنَةَ، حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ، فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَتَلِهِ، اسْتَعَارَ مُوسَى مِنْ إِحْدَى بَنَاتِ الْحَارِثِ، لِيَسْتَحِدَّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَن صَبِيٍّ لِي، فَدَرَجَ إِلَيْهِ، حَتَّى أَتَاهُ، قَالَتْ: فَأَخَذَهُ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، فَزِعْتُ فَزَعًا عَرَفَهُ فِيَّ، وَالمُوسَى بِيَدِهِ، قَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَنْ أَفْعَلَ إِنْ شَاءَ اللهُ، قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ، وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلاَّ رِزْقًا رَزَقَهُ اللهُ إِيَّاهُ،
الصفحة 29