كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)

فَنَادَى: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَأُمِرَ بِي إِلَى الْعَبَّاسِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ لَهُ خِدْنًا، وَصَدِيقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعَبَّاسِ، فَبَاتَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَأَذَّنَ المُؤَذِّنُ، تَحَرَّكَ النَّاسُ، فَظَنَّ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَهُ، قَالَ: يَا عَبَّاسُ، مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالَ: تَحَرَّكُوا لِلمُنَادِي لِلصَّلاَةِ، قَالَ: فَكُلُّ هَؤُلاَءِ، إِنَّمَا تَحَرَّكُوا لِمُنَادِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقَامَ الْعَبَّاسُ لِلصَّلاَةِ، وَقَامَ مَعَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا، قَالَ: يَا عَبَّاسُ، مَا يَصْنَعُ مُحَمَّدٌ شَيْئًا، إِلاَّ صَنَعُوا مِثْلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا لفَعَلُوا، وَإِنِّي لأَرَاهُمْ سَيُهْلِكُونَ قَوْمَكَ غَدًا، قَالَ: يَا عَبَّاسُ، فَادْخُلْ بِنَا عَلَيْهِ، فَدَخَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمِ، وَعُمَرُ بن الْخَطَّابِ خَلْفَ الْقُبَّةِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الإِسْلاَمَ، فَقَالَ أَبو سُفْيَانَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْعُزَّى؟ فَقَالَ عُمَرُ مِنْ خَلْفِ الْقُبَّةِ: تَخْرَأُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: وَأَبِيكَ إِنَّكَ لَفَاحِشٌ، إِنِّي لَمْ آتِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّمَا جِئْتُ لاِبْنِ عَمِّي، وَإِيَّاهُ أُكَلِّمُ، قَالَ: فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِنَا، وَذَوِي أَسْنَانِهِمْ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَجْعَلَ لَهُ شَيْئًا، يُعْرَفُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، قَالَ: فَقَالَ أَبو سُفْيَانَ: أَدَارِي؟ أَدَارِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، وَمَنْ وَضَعَ سِلاَحَهُ، فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ (1) فَهُوَ آمِنٌ، فَانْطَلَقَ مَعَ الْعَبَّاسِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، فَخَافَ مِنْهُ الْعَبَّاسُ بَعْضَ الْغَدْرِ، فَجَلَّسَهُ عَلَى أَكَمَةٍ، حَتَّى مَرَّتْ بِهِ الْجُنُودُ،
_حاشية__________
(1) هكذا في طبعتي دار التأصيل، والمكتب الإسلامي. وفي طبعة دار الكتب العلمية: «بَابُ».
قَالَ: فَمَرَّتْ بِهِ كَبْكَبَةٌ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا عَبَّاسُ؟ فَقَالَ: هَذَا الزُّبَيْرُ بن الْعَوَّامِ، عَلَى المُجَنَّبَةِ الْيُمْنَى، قَالَ: ثُمَّ مَرَّتْ كَبْكَبَةٌ أُخْرَى، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا عَبَّاسُ؟ قَالَ: هُمْ قُضَاعَةُ، وَعَلَيْهِمْ أَبو عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ، قَالَ: ثُمَّ مَرَّتْ بِهِ كَبْكَبَةٌ أُخْرَى، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا عَبَّاسُ؟ قَالَ: هَذَا خَالِدُ بن الْوَلِيدِ، عَلَى المُجَنَّبَةِ الْيُسْرَى، قَالَ: ثُمَّ مَرَّتْ بِهِ قَوْمٌ يَمْشُونَ فِي الْحَدِيدِ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا عَبَّاسُ؟ الَّتِي كَأَنَّهَا حَرَّةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ: هَذِهِ الأَنْصَارُ، عِنْدَهَا المَوْتُ الأَحْمَرُ، فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالأَنْصَارُ حَوْلَهُ، فَقَالَ أَبو سُفْيَانَ: سِرْ يَا عَبَّاسُ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ صَبَاحَ قَوْمٍ فِي دِيَارِهِمْ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى مَكَّةَ نَادَى، وَكَانَ شِعَارُ قُرَيْشٍ يَا آلَ غَالِبٍ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، فَلَقِيَتْهُ امْرَأَتُهُ هِنْدٌ، فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ، وَقَالَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ، اقْتُلُوا الشَّيْخَ الأَحْمَقَ، فَإِنَّهُ قَدْ صَبَأَ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْلِمَنَّ، أَوْ لَيُضْرَبَنَّ عُنُقُكِ، قَالَ: فَلَمَّا أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَكَّةَ، كَفَّ النَّاسُ أَنْ يَدْخُلُوهَا، حَتَّى يَأْتِيَهُ رَسُولُ الْعَبَّاسِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّهُمْ يَصْنَعُونَ بِالْعَبَّاسِ مَا صَنَعَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، فَوَاللهِ إِذًا لاَ أَسْتَبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا، قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ رَسُولُ الْعَبَّاسِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْكَفِّ، فَقَالَ: كُفُّوا السِّلاَحَ، إِلاَّ خُزَاعَةَ عَن بَكْرٍ سَاعَةً، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَكَفُّوا، فَأَمَّنَ النَّاسَ كُلَّهُمْ إِلاَّ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ، وَابْنَ خَطَلٍ وَمَقِيسَ الْكِنَانِيَّ، وَامْرَأَةً أُخْرَى،

الصفحة 44