كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)
10484- قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: دَخَلُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ يَأْتَمِرُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: لاَ يَدْخُلْ مَعَكُمْ أَحَدٌ لَيْسَ مِنْكُمْ، فَدَخَلَ مَعَهُمُ الشَّيْطَانُ، فِي صُورَةِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا عَيْنٌ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، قَالَ: فَتَشَاوَرُوا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَرَى أَنْ تُرْكِبُوهُ بَعِيرًا، ثُمَّ تُخْرِجُوهُ فَقَالَ الشَّيْطَانُ: بِئْسَ مَا رَأَى هَذَا، هُوَ هَذَا قَدْ كَانَ يُفْسِدُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَكَيْفَ إِذَا أَخَرَجْتُمُوهُ فَأَفْسَدَ النَّاسَ، ثُمَّ حَمَلَهُمْ عَلَيْكُمْ يُقَاتِلُوكُمْ، فَقَالُوا: نِعْمَ مَا رَأَى هَذَا الشَّيْخُ، فَقَالَ قَائِلٌ آخَرَ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلُوهُ فِي بَيْتٍ وَتُطَيِّنُوا عَلَيْهِ بَابَهُ، وَتَدَعُوهُ فِيهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَقَالَ الشَّيْطَانُ: بِئْسَ مَا رَأَى هَذَا، أَفَتَرَى قَوْمَهُ يَتْرُكُونَهُ فِيهِ أَبَدًا، لاَ بُدَّ أَنْ يَغْضَبُوا لَهُ، فَيُخْرِجُوهُ، فَقَالَ أَبو جَهْلٍ: أَرَى أَنْ تُخْرِجُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلاً، ثُمَّ يَأْخُذُوا أَسْيَافَهُمْ، فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، فَلاَ يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ فَتَدُونَهُ، فَقَالَ الشَّيْطَانُ: نِعْمَ مَا رَأَى هَذَا، فَأَطْلَعَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَخَرَجَ هُوَ وَأَبو بَكْرٍ إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ، يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ، وَنَامَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَاتُوا يَحْرُسُونَهُ، يَحْسِبُونَ أَنَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَامَ عَلِيٌّ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ بَادَرُوا إِلَيْهِ، فَإِذَا هُمْ بِعَلِيٍّ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي، فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، حَتَّى بَلَغُوا الْغَارَ، ثُمَّ رَجَعُوا فَمَكَثَ فِيهِ هُوَ وَأَبو بَكْرٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ.
قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ عَن عُرْوَةَ: فَمَكَثَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبدُ اللهِ بن أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ، فَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِمَا سَحَرًا، فَيُصْبِحُ عِنْدَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادَانِ بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ، حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، فَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنْمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِهَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ مِنْ بَنِي عَبدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَالْخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمَّنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَأَتَى غَارَهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلاَثٍ، فَارْتَحَلاَ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ أذَاخِرَ وَهُوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ.
الصفحة 54