كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)

وَكَانَ قَلَّمَا أَرَادَ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى خَبَرَهَا، وَكَانَ يَقُولُ: الْحَرْبُ خِدْعَةٌ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنْ يَتَأَهَّبَ النَّاسُ أُهْبَةً، وَأَنَا أَيْسَرُ مَا كُنْتُ، قَدْ جَمَعْتُ رَاحِلَتِي، وَأَنَا أَقْدَرُ شَيْءٍ فِي نَفْسِي عَلَى الْجِهَادِ وَخِفَّةِ الْحَاذِ، وَأَنَا فِي ذَلِكَ أَصْغُو إِلَى الظِّلاَلِ، وَطِيبِ الثِّمَارِ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ، حَتَّى قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَادِيًا بِغَدَاةٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْخَمِيسِ، فَأَصْبَحَ غَادِيًا، فَقُلْتُ: أَنْطَلِقُ غَدًا إِلَى السُّوقِ، فَأَشْتَرِي جَهَازِي، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى السُّوقِ مِنَ الْغَدِ، فَعَسُرَ عَلِيَّ بَعْضُ شَأْنِيَ أَيْضًا، فَقُلْتُ: أَرْجِعُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ، حَتَّى الْتَبَسَ بِيَ الذَّنْبُ، وَتَخَلَّفْتُ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ، وَأَطُوفُ بِالمَدِينَةِ، فَيُحْزِنُنِي أَنِّي لاَ أَخْلُفُ أَحَدًا، إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، وَكَانَ لَيْسَ أَحَدٌ تَخَلَّفَ، إِلاَّ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ، وَكَانَ النَّاسُ كَثِيرًا لاَ يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ، وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً،

الصفحة 59