كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)

حَتَّى غَلَبَهَا المَوْتُ فِي المَسْجِدِ، فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَجُزِرَتْ تِلْكَ الْبَقْرَةُ فِي مَكَانِهَا، حَتَّى احْتُمِلَ لَحْمُهَا، فَأَقْبَلَ غُرَابٌ يَهْوِي، حَتَّى وَقَعَ فِي الْفَرْثِ، فَبَحَثَ فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ، فَقَامَ عَبدُ المُطَّلِبِ يَحْفِرُ هُنَالِكَ، فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا لِعَبْدِ المُطَّلِبِ: مَا هَذَا الصَّنِيعُ؟ لَمْ نَكُنْ نَزُنُّكَ بِالْجَهْلِ، لِمَ تَحْفُرُ فِي مَسْجِدِنَا؟ فَقَالَ عَبدُ المُطَّلِبِ: إِنِّي لَحَافِرٌ هَذِهِ الْبِئْرَ، وَمُجاهِدٌ مَنْ صَدَّنِي عَنْهَا، فَطَفِقَ يَحْفِرُ هُوَ وَابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَيَسْعَى عَلَيْهِمَا نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَيُنَازِعُونَهُمَا، وَيُقَاتِلُونَهُمَا، وَيَنْهَى عَنْهُ النَّاسُ مِنْ قُرَيْشٍ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ عِتْقِ نَسَبِهِ، وَصِدْقِهِ، وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِ يَوْمَئِذٍ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَ الْحَفْرَ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى، نَذَرَ إِنْ وُفِّيَ لَهُ بِعَشْرَةٍ مِنَ الْوَلَدِ أَنْ يَنْحَرَ أَحَدَهُمْ، ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَدْرَكَ سُيُوفًا دُفِنَتْ فِي زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ السُّيُوفَ، فَقَالُوا لِعَبْدِ المُطَّلِبِ: أَحْذِنَا مِمَّا وَجَدْتَ، فَقَالَ عَبدُ المُطَّلِبِ: بَلْ هَذِهِ السُّيُوفُ لِبَيْتِ اللهِ،
ثُمَّ حَفَرَ، حَتَّى أَنْبَطَ المَاءَ، فَحَفَرَهَا فِي الْقَرَارِ، ثُمَّ بَحَرَهَا، حَتَّى لاَ تَنْزِفُ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهَا حَوْضًا، وَطَفِقَ هُوَ وَابْنُهُ يَنْزِعَانِ فَيَمْلآنِ ذَلِكَ الْحَوْضَ، فَيَشْرَبُ مِنْهُ الْحَاجُّ، فَيَكْسَرُهُ نَاسٌ مِنْ حَسَدَةِ قُرَيْشٍ بِاللَّيْلِ، وَيُصْلِحُهُ عَبدُ المُطَّلِبِ حِينَ يُصْبِحُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا فَسَادَهُ، دَعَا عَبدُ المُطَّلِبِ رَبَّهُ، فَأُرِيَ فِي المَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلِ: اللهُمَّ إِنِّي لاَ أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، وَلَكِنْ هِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبَلٌّ، ثُمَّ كُفِيتَهُمْ، فَقَامَ عَبدُ المُطَّلِبِ حِينَ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ بِالمَسْجِدِ، فَنَادَى بِالَّذِي أُرِيَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَكُنْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ حَوْضَهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِلاَّ رُمِيَ بِدَاءٍ فِي جَسَدِهِ، حَتَّى تَرَكُوا لَهُ حَوْضَهُ ذَلِكَ، وَسِقَايَتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبدُ المُطَّلِبِ النِّسَاءَ، فَوُلِدَ لَهُ عَشْرَةُ رَهْطٍ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ لَكَ نَحْرَ أَحَدِهِمْ، وَإِنِّي أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ، فَأَصِبْ بِذَلِكَ مَنْ شِئْتَ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبدِ اللهِ بْنِ عَبدِ المُطَّلِبِ، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ مِئَةٌ مِنَ الإِبِلِ؟ قَالَ: ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِئَةٍ مِنَ الإِبِلِ،

الصفحة 6