كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)

15- حَدِيثُ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ.
10490- عبد الرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ مِمَّا صَنَعَ اللهُ لِنَبِيِّهِ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ: الأَوْسَ، وَالْخَزْرَجَ، كَانَا يَتَصَاوَلاَنِ فِي الإِسْلاَمِ كَتَصَاوُلِ الْفَحْلَيْنِ، لاَ يَصْنَعُ الأَوْسُ شَيْئًا، إِلاَّ قَالَتِ الْخَزْرَجُ: وَاللهِ لاَ تَذْهَبُونَ بِهِ أَبَدًا فَضْلاً عَلَيْنَا فِي الإِسْلاَمِ، فَإِذَا صَنَعْتِ الْخَزْرَجُ شَيْئًا، قَالَتِ الأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ،
فَلَمَّا أَصَابَتِ الأَوْسُ كَعْبَ بن الأَشْرَفِ، قَالَتِ الْخَزْرَجُ: وَاللهِ لاَ نَنْتَهِي حَتَّى نُجْزِئَ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الَّذِي أَجْزَءُوا عَنْهُ، فَتَذَاكَرُوا أَوْزَنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَاسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ، وَهُوَ سَلاَّمُ بن أَبِي الْحُقَيْقِ الأَعْوَرُ أَبو رَافِعٍ بِخَيْبَرَ، فَأَذِنَ لَهُمْ فِي قَتَلَهِ، وَقَالَ: لاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلاَ امْرَأَةً، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَهْطٌ فِيهِمْ عَبدُ اللهِ بن عَتِيكٍ، وَكَانَ أَمِيرُ الْقَوْمِ أَحَدُ بَنِي سَلِمَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بن أُنَيْسٍ، وَمَسْعُودُ بن سِنَانَ، وَأَبو قَتَادَةَ، وَخُزَاعِيُّ بن أَسْوَدَ، رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَرَجُلٌ آخَرُ، يُقَالُ لَهُ: فُلاَنُ بن سَلَمَةَ، فَخَرَجُوا حَتَّى جَاؤُوا خَيْبَرَ، فَلَمَّا دَخَلُوا الْبَلَدَ، عَمَدُوا إِلَى كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا، فَغَلَّقُوهُ مِنْ خَارِجِهِ عَلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ فِي عَجَلَةٍ مِنْ نَخْلٍ، فَأَسْنَدُوا فِيهَا، حَتَّى ضَرَبُوا عَلَيْهِ بَابَهُ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِمُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَفَرٌ مِنَ الْعَرَبِ أَرَدْنَا المِيرَةَ، قَالَتْ: هَذَا الرَّجُلُ فَادْخُلُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، أَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ، ثُمَّ ابْتَدَرُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، قَالَ قَائِلُهُمْ: وَاللهِ مَا دَلَّنِي عَلَيْهِ إِلاَّ بَيَاضُهُ عَلَى الْفِرَاشِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، كَأَنَّهُ قُبْطِيَّةٌ مُلْقَاةٌ، قَالَ: وَصَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ، قَالَ: فَيَرْفَعِ الرَّجُلُ مِنَّا السَّيْفَ لِيَضْرِبَهَا بِهِ،
ثُمَّ يَذْكُرُ نَهْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَلَوْلاَ ذَلِكَ فَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ، قَالَ: وَتَحَامَلَ عَبدُ اللهِ بن أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ، حَتَّى أَنْفَذَهُ، وَكَانَ سَيِّءَ الْبَصَرِ، فَوَقَعَ مِنَ فوق الْعَجَلَةِ، فَوُثِئَتْ رِجْلُهُ وَثْئًا مُنْكَرًا، قَالَ: فَنَزَلْنَا، فَاحْتَمَلْنَاهُ فَانْطَلَقْنَا بِهِ مَعَنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَنْهَرِ عَيْنٍ مِنْ تِلْكَ الْعُيُونِ، فَمَكَثْنَا فِيهِ، قَالَ: وَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ، وَأَشْعَلُوهَا فِي السَّعَفِ، وَجَعَلُوا يَلْتَمِسُونَ، وَيَشْتَدُّونَ، وَأَخْفَى اللهُ عَلَيْهِمْ مَكَانَنَا، قَالَ: ثُمَّ رَجَعُوا، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَذْهَبُ فَلاَ نَدْرِي أَمَاتَ عَدُوُّ اللهِ أَمْ لاَ؟ قَالَ: فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنَّا، حَتَّى حُشِرَ فِي النَّاسِ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ مُكِبَّةً وَفِي يَدِهَا المِصْبَاحُ، وَحَوْلَهُ رِجَالُ يَهُودَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ، ثُمَّ أَكْذَبْتُ نَفْسِي، فَقُلْتُ: وَأَنَّى ابْنُ عَتِيكٍ بِهَذِهِ الْبِلاَدِ؟ فَقَالَتْ شَيْئًا، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَقَالَتْ: فَاظَ وَإِلَهُ يَهُودَ، تَقُولُ: مَاتَ، قَالَ: فَمَا سَمِعْتُ كَلِمَةً كَانَتْ أَلَذَّ مِنْهَا إِلَى نَفْسِي، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ فَأَخْبَرْتُ أَصْحَابِي أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا، فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْنَاهُ بِذَلِكَ، قَالَ: وَجَاءُوهُ (1) يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَلَى المِنْبَرِ يَخْطُبُ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: أَفْلَحْتِ الْوُجُوهُ.

الصفحة 65