كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)

فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مِئَةٍ مِنَ الإِبِلِ، فَنَحَرَهَا عَبدُ المُطَّلِبِ مَكَانَ عَبدِ اللهِ، وَكَانَ عَبدُ اللهِ أَحْسَنُ رَجُلٍ رُئِيَ فِي قُرَيْشٍ قَطُّ، فَخَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا نِسَاءَ قُرَيْشٍ، أَيَّتُكُنَّ يَتَزَوَّجُهَا هَذَا الْفَتَى، فَنَصَطَتِ النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورٌ، فَتَزَوَّجَتْهُ آمِنَةُ ابْنَةُ وَهْبِ بْنِ عَبدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَجَمَعَهَا، فَالْتَقَتْ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَعَثَ عَبدُ المُطَّلِبِ عَبدَ اللهِ بْنِ عَبدِ المُطَّلِبِ يَمْتَارُ لَهُ تَمْرًا مِنْ يَثْرِبَ، فَتُوُفِّيَ عَبدُ اللهِ بِهَا، وَوَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِي حَجْرِ عَبدِ المُطَّلِبِ، فَاسْتَرْضَعَهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَنَزَلَتْ بِهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ سُوقَ عُكَاظٍ، فَرَآهُ كَاهِنٌ مِنَ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ عُكَاظٍ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلاَمَ، فَإِنَّ لَهُ مُلْكًا، فَرَاعَتْ بِهِ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ، فَنَجَّاهُ اللهُ، ثُمَّ شَبَّ عِنْدَهَا، حَتَّى إِذَا سَعَى وَأُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ تَحْضُنُهُ، فَجَاءَتْهُ أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ، فَقَالَتْ: أَيْ أُمَّتَاهُ، إِنِّي رَأَيْتُ رَهْطًا أَخَذُوا أَخِي آنِفًا، فَشَقُّوا بَطْنَهُ، فَقَامَتْ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ فَزِعَةً،
حَتَّى أَتَتْهُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ، لاَ تَرَى عِنْدَهُ أَحَدًا، فَارْتَحَلَتْ بِهِ، حَتَّى أَقْدَمَتْهُ عَلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهَا: اقْبِضِي عَنِّي ابْنَكِ، فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: لاَ وَاللهِ، مَا بِابْنِي مَا تَخَافِينَ، لَقَدْ رَأَيْتُ وَهُوَ فِي بَطْنِي أَنَّهُ خَرَجَ نُورٌ مِنِّي أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَلَقَدْ وَلَدْتُهُ حِينَ وَلَدْتُهُ، فَخَرَّ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَافْتَصَلَتْهُ أُمُّهُ وَجَدُّهُ عَبدُ المُطَّلِبِ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ، فَهَمَّ فِي حِجْرِ جَدِّهِ، فَكَانَ وَهُوَ غُلاَمٌ يَأْتِي وِسَادَةَ جَدِّهِ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، فَيَخْرُجُ جَدُّهُ وَقَدْ كَبُرَ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ الَّتِي تَقُودُهُ: انْزِلْ عَن وِسَادَةِ جَدِّكَ، فَيَقُولُ عَبدُ المُطَّلِبِ: دَعِي ابْنِي، فَإِنَّهُ مُحْسِنٌ بِخَيْرٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَ جَدُّهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلاَمٌ، فَكَفَلَهُ أَبو طَالِبٍ، وَهُوَ أَخُو عَبدِ اللهِ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَلَمَّا نَاهَزَ الْحُلُمَ، ارْتَحَلَ بِهِ أَبو طَالِبٍ تَاجِرًا قِبَلَ الشَّامِ، فَلَمَّا نَزَلاَ تَيْمَاءَ، رَآهُ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ تَمِيمٍ، فَقَالَ لأَبِي طَالِبٍ: مَا هَذَا الْغُلاَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: هُوَ ابْنُ أَخِي، قَالَ لَهُ: أَشَفِيقٌ أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَوَاللهِ لَئِنْ قَدِمْتَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، لاَ تَصِلُ بِهِ إِلَى أَهْلِكَ أَبَدًا، لَيَقْتُلُنَّهُ، إِنَّ هَذَا عَدُوُّهُمْ، فَرَجَعَ أَبو طَالِبٍ مِنْ تَيْمَاءَ إِلَى مَكَّةَ.

الصفحة 7