كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)
قَالَ: فَدَعَا اللهَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَآمَنَ الأَعْمَى، فَبَلَغَ ذَلِكَ المَلِكَ أَمْرُهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَالَ: لأَقْتُلَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لاَ أَقْتُلَهَا صَاحِبُهَا، قَالَ: فَأَمَرَ بِالرَّاهِبِ وَبِالرِّجْلِ الَّذِي كَانَ أَعْمَى، فَوَضَعَ المِنْشَارَ عَلَى مَفْرِقِ أَحَدِهِمَا فَقُتِلَ، وَقُتِلَ الآخَرَ بِقِتْلَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُلاَمِ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسَهِ، فَلَمَّا انْطَلَقُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ المَكَانِ الَّذِي أَرَادُوا، جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَيَتَرَدَّوْنَ مِنْهُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْغُلاَمُ، فَرَجَعَ، فَأَمَرَ بِهِ المَلِكُ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى الْبَحْرِ، فَأَلْقُوهُ فِيهِ، فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى الْبَحْرِ، فَغَرَّقَ اللهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَأَنْجَاهُ اللهُ، فَقَالَ الْغُلاَمُ: إِنَّكَ لَنْ تَقْتُلَنِي حَتَّى تَصْلُبَنِي وَتَرْمِيَنِي، وَتَقُولُ إِذَا رَمَيْتَنِي: بِاسْمِ رَبِّ الْغُلاَمِ، أَوْ قَالَ: بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلاَمِ، فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ، ثُمَّ رَمَاهُ، وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلاَمِ، قَالَ: فَوَضَعَ الْغُلاَمُ يَدَهُ عَلَى صُدْغِهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلاَمُ عِلْمًا مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ، فَإِنَّا نُؤْمِنُ بِرَبِّ هَذَا الْغُلاَمِ، قَالَ: فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلاَثَةٌ، فَهَذَا الْعَالَمُ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ، قَالَ: فَخَدَّ الأُخْدُودَ، ثُمَّ أَلْقَى فِيهَا الْحَطَبَ وَالنَّارَ، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ، فَقَالَ: مَنْ رَجَعَ إِلَى دِينِهِ تَرَكْنَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاهُ فِي النَّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ فِي تِلْكَ الأُخْدُودِ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} حَتَّى بَلَغَ: {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} قَالَ: فَأَمَّا الْغُلاَمُ فَإِنَّهُ دُفِنَ، قَالَ: فَيُذْكَرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللهُ، وَإِصْبَعَهُ عَلَى صُدْغِهِ، كَمَا كَانَ وَضَعَهَا.
قَالَ عَبدُ الرَّزَّاقِ: وَالأُخْدُودُ بِنَجْرَانَ.
الصفحة 74