كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)
21- بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ.
10513- عبد الرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ عَبدَ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، وَنَحْنُ بِمِنًى، أَتَانِي عَبدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ فِي مَنْزِلِي عَشِيًّا، فَقَالَ: لَوْ شَهِدْتَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ، فأَتَاهُ (1) رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنِّي سَمِعْتُ فُلاَنًا يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ قَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَقَائِمٌ عَشِيَّةً فِي النَّاسِ، فَنُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْتَصِبُوا المُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ
_حاشية__________
(1) هكذا في طبعتي دار التأصيل، ودار الكتب العلمية، وفي طبعة المكتب الإسلامي: «أَتَاهُ».
قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ قُلْتَ فِيهِمُ الْيَوْمَ مَقَالَةً أَنْ يَطِيرُوا بِهَا كُلَّ مَطِيرٍ، وَلاَ يَعُوهَا، وَلاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، وَلَكِنْ أَمْهِلْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، حَتَّى تَقْدُمَ المَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ، وَتَخْلُصَ بِالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعُوا مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ لأَقُومَنَّ بِهِ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ فِي المَدِينَةِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ، وَجَاءَ الْجُمُعَةُ، هَجَّرْتُ لَمَّا حَدَّثَنِي عَبدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ، فَوَجَدْتُ سَعيدَ بن زَيْدٍ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، جَالِسًا إِلَى جَنْبِ المِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، قَالَ: فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ، خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: فَقُلْتُ وَهُوَ مُقْبِلٌ: أَمَا وَاللهِ لَيَقُولَنَّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَى هَذَا المِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ، قَالَ: فَغَضِبَ سَعيدُ بن زَيْدٍ، وَقَالَ: وَأَيُّ مَقَالَةٍ يَقُولُ لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ؟.
قَالَ: فَلَمَّا ارْتَقَى عُمَرُ المِنْبَرَ، أَخَذَ المُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ، قَامَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لاَ أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ مَعَهُ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ آيَةَ الرَّجْمِ، فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، وَإِنِّي خَائِفٌ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، فَيَقُولُ قَائِلٌ: وَاللهِ مَا الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ؟ فَيَضِلَّ، أَوْ يَتْرُكَ فَرِيضَةً أَنْزَلَهَا اللهُ، أَلاَ وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ وَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ وَكَانَ الْحَمْلُ، أَوِ الاِعْتِرَافُ.
ثُمَّ قَدْ كُنَّا نَقْرَأُ: وَلاَ تَرْغَبُوا عَن آبَائِكُمْ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ، أَوْ فَإِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَن آبَائِكُمْ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبدُ اللهِ، فَقُولُوا: عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ فُلاَنًا مِنْكُمْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَوْ قَدْ مَاتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ قَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَلاَ يَغُرَّنَّ امْرَءًا أَنْ يَقُولَ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً، وَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّ اللهَ وَقَى شَرَّهَا،
الصفحة 86