كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)

فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، نَزَعَ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ، وَأَمَّرَ مَكَانَهُ أَبَا عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ الْجَابِيَةَ، فَنَزَعَ شُرَحْبِيلَ بن حَسَنَةَ، وَأَمَرَ جُنْدَهُ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فِي الأُمَرَاءِ الثَّلاَثَةِ، فَقَالَ شُرَحْبِيلُ بن حَسَنَةَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَعَجَزْتُ أَمْ خُنْتُ؟ قَالَ: لَمْ تَعْجَزْ، وَلَمْ تَخُنْ، قَالَ: فَفِيمَ عَزَلْتَنِي؟ قَالَ: تَحَرَّجْتُ أَنْ أُؤَمِّرَكَ وَأَنَا أَجِدُ أَقْوَى مِنْكَ، قَالَ: فَاعْذُرْنِي يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ: سَأَفْعَلُ، وَلَوْ عَلِمْتُ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ أَفْعَلْ، قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ فَعَذَرَهُ، ثُمَّ أَمَرَ عَمْرَو بن الْعَاصِ بِالمَسِيرِ إِلَى مِصْرَ، وَبَقِيَّةُ الشَّامُ عَلَى أَمِيرَيْنِ: أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَاسْتَخْلَفَ خَالِدًا وَابْنَ عَمِّهِ عِيَاضَ بن غَنْمٍ، فَأَقَرَّهُ عُمَرُ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: كَيْفَ تُقِرُّ عِيَاضَ بن غَنْمٍ، وَهُوَ رَجُلٌ جَوَادٌ لاَ يَمْنَعُ شَيْئًا يُسْأَلُهُ؟ وَقَدْ نَزَعْتَ خَالِدَ بن الْوَلِيدِ فِي أَنْ كَانَ يُعْطِي دُونَكَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ هَذِهِ شِيمَةُ عِيَاضٍ فِي مَالِهِ، حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى مَالِهِ، وَإِنِّي مَعَ ذَلِكَ لَمْ أَكُنْ لأُغَيِّرَ أَمْرًا قَضَاهُ أَبو عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ.
قَالَ: ثُمَّ تُوُفِّيَ يَزِيدُ بن أَبِي سُفْيَانَ، فَأَمَّرَ مَكَانَهُ مُعَاوِيَةَ، فَنَعَاهُ عُمَرُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: احْتَسِبْ يَزِيدَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، قَالَ: يَرْحَمُهُ اللهُ، فَمَنْ أَمَّرْتَ مَكَانَهُ؟ قَالَ: مُعَاوِيَةُ، قَالَ: وَصَلَتْكَ رَحِمٌ.
قَالَ: ثُمَّ تُوُفِّيَ عِيَاضُ بن غَنْمٍ، فَأَمَّرَ مَكَانَهُ عُمَيْرَ بن سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ، فَكَانَتِ الشَّامُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعُمَيْرٍ، حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ.
فَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ بن عَفَّانٍ، فَعَزَلَ عُمَيْرًا، وَتَرَكَ الشَّامَ لِمُعَاوِيَةَ، وَنَزَعَ المُغِيرَةَ بن شُعْبَةَ عَنِ الْكُوفَةِ، وَأَمَّرَ مَكَانَهُ سَعْدَ بن أَبِي وَقَّاصٍ، وَنَزَعَ عَمْرَو بن الْعَاصِ عَن مِصْرَ، وَأَمَّرَ مَكَانَهُ عَبدَ اللهِ بن سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَنَزَعَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، وَأَمَّرَ مَكَانَهُ عَبدَ اللهِ بن عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، ثُمَّ نَزَعَ سَعْدَ بن أَبِي وَقَّاصٍ مِنَ الْكُوفَةِ، وَأَمَّرَ الْوَلِيدَ بن عُقْبَةَ، ثُمَّ شَهِدَ عَلَى الْوَلِيدِ، فَجَلَدَهُ، وَنَزَعَهُ، وَأَمَّرَ سَعيدَ بن الْعَاصِ مَكَانَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّاسُ وَنَشِبُوا فِي الْفِتْنَةِ، فَحَجَّ سَعيدُ بن الْعَاصِ، ثُمَّ قَفَلَ مِنْ حَجِّهِ، فَلَقِيَهُ خَيْلُ الْعِرَاقِ، فَرَجَعُوهُ مِنَ الْعُذَيْبِ، وَأَخْرَجَ أَهْلُ مِصْرَ عَبدَ اللهِ بن سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَأَقَرَّ أَهْلُ الْبَصْرَةِ عَبدَ اللهِ بن عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَكَانَ كذَلِكَ أَوَّلَ الْفِتْنَةِ، حَتَّى إِذَا قُتِلَ عُثْمَانُ رَحِمَهُ اللهُ بَايَعَ النَّاسُ عَلِيَّ بن أَبِي طَالِبٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى طَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ: إِنْ شِئْتُمَا فَبَايِعَانِي، وَإِنْ شِئْتُمَا بَايَعْتُ أَحَدَكُمَا، قَالاَ: بَلْ نُبَايِعُكَ، ثُمَّ خَرَجَا إِلَى مَكَّةَ، وَبِمَكَّةَ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَتَكَلَّمَانِ بِهِ، فَأَعَانَتْهُمَا عَلَى رَأْيِهِمَا، فَأَطَاعَهُمْ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجُوا قِبَلَ الْبَصْرَةِ يَطْلُبُونَ بِدَمِ ابْنِ عَفَّانَ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ عَبدُ الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ،

الصفحة 95