كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 5)

وَهَاجَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ عَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ، فَكَانَتْ بُعُوثُهُمَا تقدم المدينة وتَقْدُمُ مَكَّةَ لِلْحَجِّ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ، فَهُوَ أَمِيرُ المَوْسِمِ أَيَّامَ الْحَجِّ لِلنَّاسِ، ثُمَّ إِنَّهَا أَرْسَلَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فقَالَتْ (1) إِحْدَاهُمَا لِلأُخْرَى: تَعَالَيْ نَكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَعَلِيٍّ أَنْ يُعْتِقَا مِنْ هَذِهِ الْبُعُوثِ الَّتِي تَرُوعُ النَّاسَ، حَتَّى تَجْتَمِعَ الأُمَّةُ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: كَفَيْتُكِ أَخِي مُعَاوِيَةَ، وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: كَفَيْتُكِ عَلِيًّا، فَكَتَبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهَا، وَبَعَثَتْ وَفْدًا مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، فَأَمَّا مُعَاوِيَةُ، فَأَطَاعَ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأَمَّا عَلِيٌّ، فَهَمَّ أَنْ يُطِيعَ أُمَّ سَلَمَةَ، فَنَهَاهُ الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ عَن ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ بُعُوثُهُمَا وَعُمَّالُهُمَا يَخْتَلِفُونَ إِلَى المَدِينَةِ وَمَكَّةَ، حَتَّى قُتِلَ عَلِيٌّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، ثُمَّ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَمَرْوَانُ، وَابْنُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ يَغْلِبَانِ عَلَى أَهْلِ المَدِينَةِ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ، وَكَانَتْ مِصْرُ فِي سُلْطَانِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَمَّرَ عَلَيْهَا قَيْسَ بن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ حَامِلَ رَايَةِ الأَنْصَارِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَيْرِهِ سَعْدُ بن عُبَادَةَ، وَكَانَ قَيْسٌ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنَ النَّاسِ، إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْفِتْنَةِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرُو بن الْعَاصِ جَاهِدَيْنِ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ مِصْرَ، وَيَغْلِبَانِ عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ قَدِ امْتَنَعَ مِنْهُمَا بِالدَّهَاءِ وَالمَكِيدَةِ،
_حاشية__________
(1) هكذا في طبعة دار الكتب العلمية، وفي طبعتي دار التأصيل، والمكتب الإسلامي: «قَالَتْ».
فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَى أَنْ يَفْتَحَا مِصْرَ، حَتَّى كَادَ مُعَاوِيَةُ قَيْسَ بن سَعْدٍ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ، قَالَ: فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُحَدِّثُ رجالاً مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَيَقُولُ: مَا ابْتَدَعْتُ مِنْ مَكِيدَةٍ قَطُّ أَعْجَبَ عِنْدِي مِنْ مَكِيدَةٍ كَايَدْتُ بِهَا قَيْسَ بن سَعْدٍ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ وَهُوَ بِالْعِرَاقِ، حِينَ امْتَنَعَ مِنِّي قَيْسٌ، فَقُلْتُ لأَهْلِ الشَّامِ: لاَ تَسُبُّوا قَيْسًا، وَلاَ تَدْعُونِي إِلَى غَزْوَهِ، فَإِنَّ قَيْسًا لَنَا شِيعَةٌ، تَأْتِينَا كُتُبُهُ وَنَصِيحَتُهُ، أَلاَ تَرَوْنَ مَا يَفْعَلُ بِإِخْوَانِكُمُ الَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ خَرِبْتَا، يُجْرِي عَلَيْهِمْ أُعْطِيَتَهُمْ وَأَرْزَاقَهُمْ، وَيُؤَمِّنُ سِرْبَهُمْ، وَيُحْسِنُ إِلَى كُلِّ رَاغِبٍ قَدِمَ عَلَيْهِ، فَلاَ نَسْتَنْكِرُهُ فِي نَصِيحَتِهِ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَطَفِقْتُ أَكْتُبُ بِذَلِكَ إِلَى شِيعَتِي مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ مِنْ جَوَاسِيسِ عَلِيٍّ الَّذِينَ هَدَى مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا، وَنَمَاهُ إِلَيْهِ عَبدُ اللهِ بن جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، اتَّهَمَ قَيْسَ بن سَعْدٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِأَمْرِهِ بِقِتَالِ أَهْلِ خَرِبْتَا، وَأَهْلُ خَرِبْتَا يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ آلاَفٍ، فَأَبَى قَيْسٌ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، وَكَتَبَ إِلَى عَلِيٍّ أَنَّهُمْ وُجُوهُ أَهْلِ مِصْرَ وَأَشْرَافُهُمْ، وَذَوُو الْحِفَاظِ مِنْهُمْ، وَقَدْ رَضُوا مِنِّي بِأَنْ أُؤَمِّنَ سِرْبَهُمْ، وَأُجْرِي عَلَيْهِمْ أُعْطِيَاتِهِمْ وَأَرْزَاقَهُمْ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَوَاهُمْ مَعَ مُعَاوِيَةَ،

الصفحة 97