كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 5)
كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ ويأخذ الأكبر الميراث. عطاء: لا تربح يَتِيمِكَ الَّذِي عِنْدَكَ وَهُوَ غِرٌّ صَغِيرٌ. وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ خَارِجَانِ «١» عَنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: تَبَدَّلَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ أَيْ أَخَذَهُ مَكَانَهُ. وَمِنْهُ الْبَدَلُ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاهِيَةٌ عَنِ الْخَلْطِ فِي الْإِنْفَاقِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَخْلِطُ نَفَقَتَهَا بِنَفَقَةِ أَيْتَامِهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، ثم نسخ بقوله (إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ «٢»). وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ عَنِ الْحَسَنِ: تَأَوَّلَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ النَّهْيَ عَنِ الْخَلْطِ فَاجْتَنَبُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ فَخُفِّفَ عَنْهُمْ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ «٣». وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِنَّ (إِلى) بِمَعْنَى مَعَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ «٤»). وَأَنْشَدَ الْقُتَبِيُّ:
يَسُدُّونَ أَبْوَابَ الْقِبَابِ بِضُمَّرٍ ... إِلَى عُنُنٍ مُسْتَوْثِقَاتِ الْأَوَاصِرِ «٥»
وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ. وَقَالَ الْحُذَّاقُ: (إِلى) عَلَى بَابِهَا وَهِيَ تتضمن الا ضافه، أَيْ لَا تُضِيفُوا أَمْوَالَهُمْ وَتَضُمُّوهَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ فِي الْأَكْلِ. فَنُهُوا أَنْ يَعْتَقِدُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى كَأَمْوَالِهِمْ فَيَتَسَلَّطُوا عَلَيْهَا بِالْأَكْلِ وَالِانْتِفَاعِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (إِنَّهُ) أَيِ الْأَكْلُ. (كانَ حُوباً كَبِيراً) أَيْ إِثْمًا كَبِيرًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمَا. يُقَالُ: حَابَ الرَّجُلُ يَحُوبُ حُوبًا إِذَا أَثِمَ. وَأَصْلُهُ الزَّجْرُ لِلْإِبِلِ، فَسُمِّيَ الْإِثْمُ حُوبًا، لِأَنَّهُ يُزْجَرُ عَنْهُ وَبِهِ. وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ حَوْبَتِي، أَيْ إِثْمِي. وَالْحَوْبَةُ أَيْضًا الْحَاجَةُ. وَمِنْهُ فِي الدُّعَاءِ: إِلَيْكَ أَرْفَعُ حَوْبَتِي، أَيْ حَاجَتِي. وَالْحَوْبُ الْوَحْشَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِي أَيُّوبَ: (إِنَّ طَلَاقَ أُمِّ أَيُّوبَ لَحَوْبٌ). وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ (حُوباً) بِضَمِّ الْحَاءِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ وَلُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ (حَوْبًا) بِفَتْحِ الْحَاءِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ. مُقَاتِلٌ: لغة الحبش.
---------------
(١). في ب وج وى وط وه: خارج.
(٢). راجع ج ٣ ص ٦٢.
(٣). راجع ج ٣ ص ٦٢.
(٤). راجع ج ١٨ ص ٨٩.
(٥). البيت لسلمة بن الحوشب يصف الحيل، يريد خيلا ربطت بأفنيتهم. والعنن: كنف سترت بها الخيل من الربح والبرد، والأواصر: الأواخي والأواري واحدتها آصرة، وهو حبل يدفن في الأرض ويبرز منه كالعروة تشد إليه الداية. (عن اللسان مادتي أخا أصرو).
الصفحة 10
428