كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 5)
سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ، هَكَذَا فَسَّرَهُ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَضَعَّفَهُ أَقْوَامٌ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ، وَقَالُوا: يَقْبُحُ عَطْفُ [الِاسْمِ «١»] الظَّاهِرِ عَلَى الْمُضْمَرِ فِي الْخَفْضِ إِلَّا بِإِظْهَارِ الْخَافِضِ، كَقَوْلِهِ (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ «٢») وَيَقْبُحُ (مَرَرْتُ بِهِ وَزَيْدٍ). قَالَ الزَّجَّاجُ عَنِ الْمَازِنِيِّ: لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ شَرِيكَانِ، يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحَلَّ صَاحِبِهِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَكَ) كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (مَرَرْتُ بِكَ وَزَيْدٍ). وَأَمَّا سِيبَوَيْهِ فَهِيَ عِنْدَهُ قَبِيحَةٌ وَلَا تَجُوزُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ، كَمَا قَالَ:
فَالْيَوْمَ قَرَّبْتَ تَهْجُونَا وَتَشْتِمُنَا ... فَاذْهَبْ فَمَا بِكَ وَالْأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ
عَطَفَ (الْأَيَّامَ) عَلَى الْكَافِ فِي (بِكَ) بِغَيْرِ الْبَاءِ لِلضَّرُورَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ:
نُعَلِّقُ فِي مِثْلِ السَّوَارِي سُيُوفَنَا ... وَمَا بَيْنَهَا وَالْكَعْبِ مَهْوَى «٣» نَفَانِفُ
عَطَفَ (الْكَعْبَ) عَلَى الضَّمِيرِ فِي (بَيْنَهَا) ضَرُورَةً. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: ذَلِكَ ضَعِيفٌ فِي الْقِيَاسِ. وَفِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ الْمَهْدِيَّةِ «٤» عَنِ الْفَارِسِيِّ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدَ قَالَ: لَوْ صَلَّيْتُ خَلْفَ إِمَامٍ يَقْرَأُ (مَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ «٥») وَ (اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) لَأَخَذْتُ نَعْلِي وَمَضَيْتُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: قِرَاءَةُ حَمْزَةَ مَعَ ضَعْفِهَا وَقُبْحِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ خَطَأٌ عَظِيمٌ فِي أُصُولِ أَمْرِ الدِّينِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ) فَإِذَا لَمْ يَجُزِ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ بِالرَّحِمِ. وَرَأَيْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَأَنَّهُ خَاصٌّ «٦» لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ النَّحَّاسُ: وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ (وَالْأَرْحَامِ) قَسَمٌ خَطَأٌ مِنَ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابِ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَة يَدُلُّ عَلَى النَّصْبِ. وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا «٧» عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ قَوْمٌ مِنْ مُضَرَ حُفَاةً عُرَاةً، فَرَأَيْتُ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لِمَا رَأَى مِنْ فَاقَتِهِمْ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ وَخَطَبَ النَّاسَ فقال: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ،
---------------
(١). من ب وج ود وط.
(٢). راجع ج ١٣ ص ٣١٧. [ ..... ]
(٣). المهوى والمهواة: ما بين الجبلين ونحو ذلك. والنفنف: الهواء. وقيل: الهواء بين الشيئين، وكل شي بينه وبين الأرض مهوى فهو نفنف. وفى النحاس: (وما بينها والكعب غوط نفانف) والغوط (بفتح الغين: المتسع من الأرض مع طمانينة).
(٤). في ب وط وز. (المهذبة).
(٥). وهذه قراءة حمزة. راجع ج ٩ ص ٣٥٧.
(٦). في ط: عاص لله.
(٧). في ب وج وز: كنت.
الصفحة 3
428