كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 5)

فِي الْمُؤْمِنِ يَقْتُلُ خَطَأً بِالدِّيَةِ، وَثَبَتَتِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. الثَّانِيةُ- ذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى الْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي النَّفْسِ، وَفِي كُلِّ مَا يُسْتَطَاعُ الْقِصَاصُ فِيهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ، تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «١») إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ) فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ إِلَّا فِي النَّفْسِ فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَا قصاص بينهما في شي مِنَ الْجِرَاحِ وَالْأَعْضَاءِ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ قوله تعالى: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْعَبِيدُ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْأَحْرَارُ دُونَ الْعَبِيدِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ) أُرِيدَ بِهِ الْأَحْرَارُ خَاصَّةً. وَالْجُمْهُورُ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قِصَاصٌ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَالنَّفْسُ أَحْرَى بِذَلِكَ، وَقَدْ مضى هذا في (البقرة «٢»). الثالثة- قوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)
أَيْ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، هَذِهِ الْكَفَّارَةُ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ أَيْضًا عَلَى مَا يَأْتِي «٣». وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يُجْزِئُ مِنْهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمُ: الرَّقَبَةُ الْمُؤْمِنَةُ هِيَ الَّتِي صَلَّتْ وَعَقَلَتِ الْإِيمَانَ، لَا تُجْزِئُ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: يُجْزِئُ الصَّغِيرُ الْمَوْلُودُ بَيْنَ مُسْلِمِينَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُ كُلُّ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إِنْ مَاتَ ودفنه. وقال مالك: ومن صَلَّى وَصَامَ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَلَا يُجْزِئُ فِي قَوْلِ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ أَعْمَى وَلَا مُقْعَدٌ وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا أَشَلُّهُمَا، وَيُجْزِئُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمُ الْأَعْرَجُ وَالْأَعْوَرُ. قَالَ مَالِكٌ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَرَجًا شَدِيدًا. وَلَا يُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَقْطَعُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ، وَيُجْزِئُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَلَا يُجْزِئُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمُ الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ ولا يجزئ
---------------
(١). راجع ج ٦ ص ١٩١.
(٢). راجع ج ٢ ص ٢٤٦.
(٣). راجع ج ١٧ ص ٢٧٢.

الصفحة 314