كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 5)

عُمَرَ. وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَوْصَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ لَا تَدْفِنِّي مَعَهُمْ وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي بِالْبَقِيعِ لَا أُزَكَّى بِهِ أَبَدًا.
قُلْتُ: كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حِينَ وَلِيَ الْإِمَارَةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ قَدْ شَرَعَ فِي بِنَاءِ جَامِعِ دِمَشْقَ وَكَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ بِالْمَدِينَةِ ابْنِ عَمِّهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يُوَسِّعَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَوَسَّعَهُ حَتَّى مِنْ نَاحِيَةِ الشَّرْقِ [1] فَدَخَلَتِ الْحُجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ فِيهِ. وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ عَنْ زَاذَانَ مَوْلَى الْفُرَافِصَةِ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ أَيَّامَ [وِلَايَةِ] عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَذَكَرَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَحَكَى صِفَةَ الْقُبُورِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ذِكْرُ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ المصيبة العظيمة بوفاته عليه الصلاة والسلام
قَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم جعل يتغشاه الكرب. فقالت فاطمة: وا كرب أَبَتَاهْ. فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بعد اليوم» فلما مات قالت: وا أَبَتَاهْ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهْ، يَا أَبَتَاهْ مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ؟ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ. قَالَ أَنَسٌ: فلما دفن النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ دَفَنْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي التُّرَابِ وَرَجَعْتُمْ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ. وَعِنْدَهُ قَالَ حَمَّادٌ: فَكَانَ ثَابِتٌ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ. وَهَذَا لَا يُعَدُّ نِيَاحَةً بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ فَضَائِلِهِ الْحَقِّ [2] عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِيهِ- فِيمَا أَوْصَى بِهِ إِلَى بَنِيهِ- أَنَّهُ قَالَ: وَلَا تَنُوحُوا عَلِيًّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فِي النَّوَادِرِ عَنْ عَمْرِو بن ميمون عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ الصَّعْقِ بْنِ حَزْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُطَيَّبٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ بِهِ. قَالَ: لَا تَنُوحُوا عَلِيًّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنِ النِّيَاحَةِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنِ الصَّعْقِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ سِنَانٍ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا عَفَّانُ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المدينة أضاء
__________
[1] في التيمورية: من ناحية السوق.
[2] كذا في الأصل، وليست هذه اللفظة في التيمورية.

الصفحة 273