كتاب الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه ت النحال (اسم الجزء: 5)
اسْتَدَلُّوا بِالآيَةِ: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (¬1) قَالُوا: وَصَفَهُ بِشِدَّةِ الْحَالِ، وَالْإِلْزَاقِ بِالتُّرَابِ مِنَ الْبُؤْسِ وَالْفَاقَةِ.
قُلْنَا: لَمْ يَقْتَصِرْ مِنْهُ (¬2) عَلَى اسْمِ الْمِسْكِينِ، حَتَّى قَرَنَهُ بِمَا دَلَّ عَلَى حَاجَةٍ (¬3)، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ وُقُوعَ اسْمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِقَرِينَتِهِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ مِنَ الْحَدِيثِ، وَمَا سَبَقَ مِنْ تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ جَوَابٌ عَنْهُ.
وَاحْتَجَّ الْقُتَيْبِيُّ (¬4) فِي الْفَقِيرِ أَنَّهُ أَوْسَعُ حَالًا (¬5) مِنَ الْمِسْكِينِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ (¬6)
وَقَالُوا: الْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ حَلُوبَةٌ يَحْلُبُهَا، وَهِيَ قَدْرُ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيالِهِ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ.
وَجَوَابُهُ أَنْ نَقُولَ: الْبَيْتُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ قُوتِ عِيَالِهِ قَبْلَ الْفَقْرِ، فَقَدْ صَارَ بِحَيْثُ لَا سَبَدَ لَهُ وَلَا لَبَدَ، ثُمَّ نَقُولُ:
¬__________
(¬1) سورة البلد (آية: 16).
(¬2) في المختصر: "فيه".
(¬3) في المختصر: "شدة حاجته".
(¬4) انظر غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 191).
(¬5) في النسخ: "مالا"، والمثبت من المختصر.
(¬6) البيت في طبقات فحول الشعراء (2/ 511)، وأدب الكاتب (ص 30). والحلوبة: الناقة التي تُحلَب، ووفق العيال: أي قدر قوتهم، ولم يترك له سَبَد: أي لم يترك له شيء، وهذه الكلمة تستعمل في النفي إذا أُخبر عن الإنسان أنه لا يملك شيئًا قيل: ما له سَبَد ولا لَبَد، بمعنى ما له شيءٌ، والسبد من الشعر (أي شعر الماعز) واللبد من الصوف. وسيأتي شرح المصنف عقب البيت مباشرة.
الصفحة 321