كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 5)

راكبًا، فيهم أربعة عشر رجلًا مِن أشرافهم، فكلَّم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو حارثة بن عَلْقَمة، والعاقب عبد المسيح، والأَيْهَم السيِّد، وهو من النصرانيّة على دين الملك مع اختلاف من أمرهم؛ يقولون: هو الله. ويقولون: هو ولد الله. ويقولون: هو ثالث ثلاثة. كذلك قول النصرانية، فهم يحتجّون في قولهم، يقولون: هو الله بأنّه كان يُحْيِي الموتى، ويُبْرِئُ الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرًا، وذلك كلّه بإذن الله ليجعله آيةً للناس. ويحتجّون في قولهم بأنّه ولد بأنهم يقولون: لم يكن له أب يُعْلَم، وقد تكلم في المهد شيئًا لم يصنعه أحدٌ مِن ولد آدم قبله. ويحتجّون في قولهم أنّه ثالث ثلاثة بقول الله: فعلنا، وأمرنا، وخلقنا، وقضينا. فيقولون: لو كان واحدًا ما قال إلا: فعلتُ، وأمرتُ، وقضيتُ، وخلقتُ. ولكنه هو وعيسى ومريم، ففي كل ذلك من قولهم نزل القرآن، وذكر الله لنبيه فيه قولهم، فلمّا كلّمه الحبران قال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أسلِما». قالا: قد أسلمنا قبلك. قال: «كذبتُما، منعكما من الإسلام دعاؤُكما لله ولدًا، وعبادتُكما الصليبَ، وأكلُكما الخنزيرَ». قالا: فمَن أبوه، يا محمد؟ فصَمَتَ، فلم يُجِبْهما شيئًا؛ فأنزل الله في ذلك مِن قولهم واختلافِ أمرِهم كلِّه صدرَ سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها. فافتتح السورة بتنزيه نفسِه مما قالوه، وتوحيده إياها بالخلق والأمر لا شريك له فيه، وردّ عليهم ما ابتدعوا من الكفر وجعلوا معه مِن الأنداد، واحتجاجًا عليهم بقولهم في صاحبهم ليعرّفهم بذلك ضلالته؛ فقال: {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} أي: ليس معه غيره شريك في أمره، {الحي} الذي لا يموت، وقد مات عيسى في قولهم، {القيّوم} القائم على سلطانه لا يزول، وقد زال عيسى (¬١). (٣/ ٤٤٠)

١١٨٢٨ - عن محمد بن سهل بن أبي أمامة (¬٢) -من طريق ابن إسحاق- قال: لَمّا قَدِم أهلُ نجران على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه عن عيسى ابن مريم؛ نزلت فيهم فاتحةُ آل عمران إلى رأس الثمانين منها (¬٣). (٣/ ٤٤٣)
---------------
(¬١) أخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام ١/ ٥٧٥ - عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومن طريقه ابن جرير ٥/ ١٧١ - ١٧٤، وابن المنذر ١/ ١٠٩ - ١١١ (١٩٩).
إسناده معضل؛ محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام الأسدي المدني ثقة من أتباع التابعين، توفي سنة بضع عشرة ومائة كما في التقريب (٥٨١٩). والراوي عنه محمد بن إسحاق بن يسار إمام المغازي صدوق يدلّس كما في التقريب (٥٧٦٢) وقد عنعن.
(¬٢) كذا في المصدر وفي الدر، ولعلّه: محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، من الذين عاصروا صغار التابعين. ينظر: تقريب التهذيب (٥٧٤٨).
(¬٣) أخرجه البيهقي في الدلائل ٥/ ٣٨٥ من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن سهل بن أبي أمامة.
وهذا إسناد مرسل أو معضل؛ فإنّ ابن إسحاق من صغار التابعين الذين رأوا بعض الصحابة ولم يثبت لهم السماع منهم كما في التقريب (٥٧٦٢)، وروايته إنما هي عن التابعين فمَن دونهم.

الصفحة 7