كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 5)

وَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمُ الْحِجَارَةَ، وَقِيلَ: كَانَتِ الْمُؤْتَفِكَةُ خَمْسَ مَدَائِنَ، وَقِيلَ: سِتٌّ، وَقِيلَ: أَرْبَعٌ اقْتَلَعَهَا جِبْرِيلُ بِجَنَاحِهِ فَرَفَعَهَا حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ تهيق الْحَمِيرِ وَصِيَاحَ الدِّيَكَةِ ثُمَّ عَكَسَهَا فَرَدَّ أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا وَأَرْسَلَهَا إِلَى الْأَرْضِ، وَتَبِعَتْهُمُ الْحِجَارَةُ مَعَ هَذَا فَأَهْلَكَتْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي سَفَرٍ أَوْ خَارِجًا عَنِ الْبِقَاعِ وَقَالَتِ امْرَأَةُ لُوطٍ حين سمعت الرجّة وا قوماه وَالْتَفَتَتْ فَأَصَابَتْهَا صَخْرَةٌ فَقَتَلَتْهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمْطَارَ شَمِلَهُمْ كُلَّهُمْ، وَقِيلَ: خُسِفَ بِأَهْلِ الْمُدُنِ وَأَمْطَرَتِ الْحِجَارَةُ عَلَى الْمُسَافِرِينَ مِنْهُمْ، وَسُئِلَ مُجَاهِدٌ هَلْ سَلِمَ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَالَ لَا إِلَّا رَجُلًا كَانَ بِمَكَّةَ تَاجِرًا وَقَفَ الْحَجَرُ لَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى قَضَى تِجَارَتَهُ وَخَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ فَأَصَابَهُ فَمَاتَ وَكَانَ عَدَدُهُمْ مِائَةَ أَلْفٍ.
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ أَوْ لِلسَّامِعِ قِصَّتَهُمْ كَيْفَ كَانَ مَآلُ مَنْ أَجْرَمَ وَفِيهِ إِيقَاظٌ وَازْدِجَارٌ أَنْ تَسْلُكَ هَذِهِ الْأُمَّةُ هَذَا الْمَسْلَكَ والْمُجْرِمِينَ عَامٌّ فِي قَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مِنْ نَظَرِ التَّفَكُّرِ أَوْ مِنْ نَظَرِ الْبَصَرِ فِيمَنْ بَقِيَتْ لَهُ آثَارُ مَنَازِلَ وَمَسَاكِنَ كَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ «1» .
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ مَدْيَنَ اسْمُ بَلَدٍ وَقُطْرٍ وَأَنْشَدَ:
رهبان مدين لو زأوك تَنَزَّلُوا فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَإِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ، وَقِيلَ: اسْمُ قَبِيلَةٍ سُمِّيَتْ بِاسْمِ أَبِيهَا مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَهُ مُقَاتِلٌ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَشُعَيْبٌ قِيلَ: هُوَ ابْنُ بِنْتِ لُوطٍ، وَقِيلَ زَوْجُ بِنْتِهِ وَهَذِهِ مُنَاسَبَةٌ بَيْنَ قِصَّتِهِ وَقِصَّةِ لُوطٍ وَشُعَيْبٌ اسْمٌ عَرَبِيٌّ تَصْغِيرُ شَعْبٍ أَوْ شِعْبٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَدْيَنَ أَعْجَمِيٌّ فَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فَعْيَلًا مِنْ مَدْيَنَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ وَهُوَ بِنَاءٌ نَادِرٌ، وَقِيلَ: مُهْمَلٌ أَوْ مَفْعَلًا مِنْ دَانَ فَتَصْحِيحُهُ شَاذٌّ كَمَرْيَمَ وَمِكْوَرَةٍ وَمِطْيَبَةٍ وَهُوَ مَمْنُوعُ الصَّرْفِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ اسْمَ أَرْضٍ أَوِ اسْمَ قَبِيلَةٍ أَعْجَمِيًّا أَمْ عَرَبِيًّا وَاخْتَلَفُوا فِي نَسَبِ شُعَيْبٍ، فَقَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا: هُوَ شُعَيْبُ بْنُ مِيكِيلَ بْنِ سجن بْنِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَاسْمُهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ بَيْرُوتُ، وَقَالَ الشَّرْقِيُّ بْنُ الْقُطَامِيِّ: شُعَيْبُ بن عنقاء بن ثويب بْنِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَلِيِّ الطَّلْحِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيضَاحِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ تَأْلِيفِهِ: هُوَ شُعَيْبُ بْنُ ثُوَيْبِ بْنِ
__________
(1) سورة العنكبوت: 29/ 38.

الصفحة 103