كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 5)

الْعَدَدَ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْحَالُ أَرْبَعِينَ بَلِ الحال هذا المحذوف فينا في قَوْلَهُ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَيْضًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعِينَ ظرفا من حيث هي عدد أزمنة، وقيل أَرْبَعِينَ مفعول به بتمّ لأن معناه بلغ والذي يظهر أنه تمييز محول من الفاعل وأصله فتم أربعون ميقات ربه أي كملت ثم أسند التمام لميقات وانتصب أربعون على التمييز وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَأْكِيدٌ وإيضاح، وقيل: فائدتها إزالة توهم العشر من الثلاثين لأنه يحتمل إتمامها بعشر من الثلاثين، وقيل: إزالة توهم أن تكون عشر ساعات أي أتممناها بعشر ساعات.
وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وقرىء شَاذًّا هارُونَ بِالضَّمِّ عَلَى النِّدَاءِ أَيْ يَا هَارُونُ أَمَرَهُ حِينَ أَرَادَ الْمُضِيَّ لِلْمُنَاجَاةِ وَالْمَغِيبِ فِيهَا أَنْ يَكُونَ خَلِيفَتَهُ فِي قَوْمِهِ وَأَنْ يُصْلِحَ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَا يَجِبُ أَنْ يُصْلِحَ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ وَنَهَاهُ أَنْ يَتَّبِعَ سَبِيلَ مَنْ أَفْسَدَ وَفِي النَّهْيِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْمُفْسِدِينَ وَلِذَلِكَ نَهَاهُ عَنِ اتِّبَاعِ سَبِيلِهِمْ وَأَمْرُهُ إِيَّاهُ بِالصَّلَاحِ وَنَهْيُهُ عَنِ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُفْسِدِينَ هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ لَا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهُ خِلَافُ الْإِصْلَاحِ وَاتِّبَاعُ تِلْكَ السَّبِيلِ لِأَنَّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَمَعْنَى اخْلُفْنِي اسْتَبِدَّ بِالْأَمْرِ وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ إِذْ رَاحَ إِلَى مُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّكَ تَكُونُ خَلِيفَتِي بَعْدَ مَوْتِي أَلَا تَرَى أَنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاتَ قَبْلَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَلَيْسَ فِي
قَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ «أَنْتَ مِنِّي كَهَارُونَ مِنْ مُوسَى»
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ خَلِيفَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إِذْ لَمْ يَكُنْ هَارُونُ خَلِيفَةً بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى وَإِنَّمَا اسْتَخْلَفَ الرَّسُولُ عَلِيًّا عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ إِذْ سَافَرَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ كَمَا اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ خَلِيفَةً بَعْدَ مَوْتِ الرَّسُولِ.
وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ أَيْ لِلْوَقْتِ الَّذِي ضَرَبَهُ لَهُ أَيْ لِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ كَمَا تَقُولُ أَتَيْتُهُ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الشَّهْرِ وَمَعْنَى اللَّامِ الِاخْتِصَاصُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ وَحْدَهُ خُصَّ بِالتَّكْلِيمِ إِذْ جَاءَ لِلْمِيقَاتِ، وَقَالَ الْقَاضِي: سَمِعَ هُوَ وَالسَّبْعُونَ كَلَامَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: خُلِقَ لَهُ إِدْرَاكًا سَمِعَ بِهِ الْكَلَامَ الْقَائِمَ بِالذَّاتِ الْقَدِيمَةِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتٍ،
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ: أَدْنَى اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ كَمَا يُكَلِّمُ الْمَلَكَ وَتَكْلِيمُهُ أَنْ يَخْلُقَ الْكَلَامَ مَنْطُوقًا بِهِ فِي بَعْضِ الْأَجْرَامِ كَمَا خَلَقَهُ مَحْفُوظًا فِي اللَّوْحِ
وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى كَانَ يَسْمَعُ الْكَلَامَ فِي كُلِّ جِهَةٍ
،
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَلِمَةُ أربعين لَيْلَةً وَكَتَبَ لَهُ الْأَلْوَاحَ
،
وَقِيلَ: إِنَّمَا

الصفحة 161