كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 5)

سُفْيَانُ: رُوِيَ أَنَّهُ انْسَاحَ فِي الْأَرْضِ وَأَفْضَى إِلَى الْبَحْرِ الَّذِي تَحْتَ الْأَرَضِينَ
، قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: فَهُوَ يَهْوِي فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ دَكًّا أَيْ مَدْكُوكًا أَوْ ذَا دَكٍّ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ دَكَّاءَ عَلَى وَزْنِ حَمْرَاءَ وَالدَّكَّاءُ النَّاقَةُ الَّتِي لَا سَنَامَ لَهَا وَالْمَعْنَى جَعَلَهُ أَرْضًا دَكَّاءَ تَشْبِيهًا بِالنَّاقَةِ الدَّكَّاءِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ: ابْسُطْ يَدَكَ دَكَّاءَ أَيْ مُدَّهَا مُسْتَوِيَةً، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالدَّكَّاءُ اسْمٌ لِلرَّابِيَةِ الناشزة مِنَ الْأَرْضِ كَالدَّكَّةِ انْتَهَى، وَهَذَا يُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِجُمْلَتِهِ وَإِنَّمَا ذَهَبَ أَعْلَاهُ وَبَقِيَ أَكْثَرُهُ، وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ دَكًّا أَيْ قِطَعًا جُمَعُ دَكَّاءَ نَحْوُ غُزٍّ جَمْعُ غَزَّاءَ، وَانْتَصَبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجَعَلَهُ وَيَضْعُفُ قَوْلُ الْأَخْفَشِ إِنَّ نَصْبَهُ مِنْ بَابِ قَعَدْتُ جُلُوسًا وصَعِقاً حَالٌ مُقَارِنَةٌ، وَيُقَالُ صَعَقَهُ فَصُعِقَ وَهُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَعَدَّتْ بِالْحَرَكَةِ نَحْوُ شَتَرَ اللَّهُ عَيْنَهُ فَشُتِرَتْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُوسَى وَالْجَبَلَ لَمْ يُطِيقَا رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى حِينَ تَجَلَّى فَلِذَلِكَ انْدَكَّ الْجَبَلُ وَصَعِقَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَحَكَى عِيَاضُ بْنُ مُوسَى عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ: أَنَّ موسى اليه السَّلَامُ رَأَى اللَّهَ فَلِذَلِكَ خَرَّ صَعِقًا وَأَنَّ الْجَبَلَ رَأَى رَبَّهُ فَلِذَلِكَ صَارَ دَكًّا بِإِدْرَاكِ كُلْفَةِ اللَّهِ له وذكر وأبو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ كَعْبٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَّمَ كَلَامَهُ وَرُؤْيَتَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ وَرَآهُ محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ من رؤيته ملائكة السموات السَّبْعِ وَحَمَلَةَ الْعَرْشِ وَهَيْئَاتِهِمْ وَأَعْدَادَهُمْ مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.
فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ. أَيْ مِنْ مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ أَوْ من سُؤَالِهَا قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ أَوْ عَنْ صَغَائِرِي حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ، أَوْ قَالَ ذَاكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ عِنْدَ ظُهُورِ الْآيَاتِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْعَظَائِمِ وَلَيْسَتْ تَوْبَةً عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قالَ سُبْحانَكَ أُنَزِّهُكَ عَنْ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْكَ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَغَيْرِهَا تُبْتُ إِلَيْكَ مِنْ طَلَبِ الرُّؤْيَةِ، (فَإِنْ قُلْتَ) :
فَإِنْ كَانَ طَلَبُ الرُّؤْيَةِ لِلْغَرَضِ الَّذِي ذَكَرْتَهُ فَمِمَّ تَابَ، (قُلْتُ) : عَنْ إِجْرَائِهِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ الْعَظِيمَةِ وَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ فِيهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَانْظُرْ إِلَى إِعْظَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرَ الرُّؤْيَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَكَيْفَ أَرْجَفَ الْجَبَلَ بِطَالِبِيهَا وَجَعَلَهُ دَكًّا وَكَيْفَ أَصْعَقَهُمْ وَلَمْ يُخَلِّ كَلِيمَهُ مِنْ نَفْيَانِ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي إِعْظَامِ الْأَمْرِ وَكَيْفَ سَبَّحَ رَبَّهُ مُلْتَجِئًا إِلَيْهِ وَتَابَ مِنْ إِجْرَاءِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَالَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ تَعَجَّبَ مِنَ الْمُتَسَمِّينَ بِالْإِسْلَامِ.
بِالْمُتَسَمِّينَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَيْفَ اتَّخَذُوا هَذِهِ الْعَظِيمَةَ مَذْهَبًا وَلَا يَغُرَّنَّكَ تَسَتُّرُهُمْ بِالْبَلْكَفَةِ فَإِنَّهُ مِنْ مَنْصُوبَاتِ أَشْيَاخِهِمْ وَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعَدْلِيَّةِ فِيهِمْ:

الصفحة 167